الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما القسم الأول وهو أن يعين من يحج عنه ويعين القدر الذي يحج به عنه ، فهو أن يقول أحجوا عني زيدا بمائة دينار ، وهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون القدر الذي وصى به هو أجرة المثل ، فهذا جائز ويكون من رأس ماله

                                                                                                                                            لأنه القدر الواجب إلا أن يجعله من ثلثه فيكون في الثلث ، وسواء وصى بذلك لوارث أو غير وارث ؛ لأنها ليست وصية يمنع فيها الوارث وإنما هي معارضة في مقابلة عمل ليس فيهما محاباة فاستوى فيها الأجنبي والوارث .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون القدر الذي وصى به أقل من أجرة المثل ، فإن وصى زيدا أن يحج به لم يزد على ذلك وإن لم يرض زيد بذلك وجب أن يتمم له أجرة المثل من رأس المال ؛ لأنه قدر يجب إخراجه منه إلا أن يجعله في الثلث فيكون في الثلث ، وسواء كان زيد وارثا أو أجنبيا .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون القدر الذي وصى به أكثر من أجرة المثل ؛ كأن كانت أجرة المثل خمسين دينارا وقد وصى بمائة دينار فقدر أجرة المثل واجب من رأس ماله ، والزيادة عليه وصية من ثلثه إلا أن يجعل جميع ذلك من ثلثه فيكون في الثلث ثم لا يخلو حال زيد المعين بالحج من أحد أمرين : إما أن يكون وارثا أو أجنبيا ، فإن كان وارثا لم يستحق الزيادة على أجرة المثل ؛ لأنها وصية والوارث لا وصية له إلا أن يجيز ذلك جميع الورثة ويقال له : أنت بالخيار بين أن تحج عنه بأجرة المثل دون الزيادة وبين أن يتمتع فيستأجر عنه غيره من الأجانب بأجرة المثل دون الزيادة ، وإن كان أجنبيا استحق جميع ذلك ؛ لأن الزيادة على أجرة المثل وصية ، والوصية تصح للأجنبي إذا احتملها الثلث ، فإن حج عنه استحق المائة كلها ، وإن امتنع أن يحج عنه استؤجر غيره بأجرة المثل وردت الزيادة إلى التركة ، فإن قال زيد أعطوني الزيادة على أجرة المثل ؛ لأنها وصية لي ، قيل : لا يجوز ؛ لأنها وصية لك على صفة ؛ وهي أن تحج عن الميت فإذا لم توجد منك الصفة لم تستحق الوصية ؛ كمن وصى أن يباع عبده على زيد بمائة ويتصدق عنه بثمنه ، والعبد يساوي مائتين ، فقال زيد : لست أبتاع العبد بمائة ولكن بيعوه بمائتين وأعطوني مائة ، لم يجز ؛ لأن المائة إنما هي وصية له على وجه المحاباة إذا ابتاع العبد ، فإذا لم يبتعه بطلت الوصية ؛ كذلك الحج فلو قال زيد : أنا آخذ المائة وأستأجر من يحج عنه بأجرة المثل وآخذ الزيادة لم يجز أيضا ؛ لأنه إنما وصى له بالزيادة إذا حج بنفسه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية