آ. (163) قوله تعالى: عن القرية : لابد من مضاف محذوف، أي: عن خبر القرية، وهذا المضاف هو الناصب لهذا الظرف وهو قوله: "إذ يعدون" وقيل: بل هو منصوب بـ "حاضرة". قال "وجوز ذلك أنها كانت موجودة ذلك الوقت ثم خربت". وقدر أبو البقاء: المضاف "أهل"، أي: عن أهل القرية، وجعل الظرف بدلا من "أهل" المحذوف فإنه قال: الزمخشري "إذ يعدون" بدل من القرية، والمراد بالقرية أهلها، كأنه قيل: وسلهم عن أهل القرية وقت عدوانهم في السبت، وهو من بدل الاشتمال.
قال الشيخ: "وهذا لا يجوز، لأن "إذ" من الظروف التي لا تتصرف، ولا يدخل عليها حرف جر، وجعلها بدلا يجوز دخول "عن" عليها لأن البدل هو على نية تكرار العامل، ولو أدخلت "عن" عليها لم يجز، وإنما يتصرف فيها بأن تضيف إليها بعض الظروف الزمانية نحو "يوم إذ كان كذا"، وأما قول [ ص: 492 ] من ذهب إلى أنها تكون مفعولة بـ "اذكر": فقول من عجز عن تأويلها على ما ينبغي لها من إبقائها ظرفا.
وقال "إذ" متعلقة بـ "سلهم". قال الشيخ: وهذا لا يتصور، لأن "إذ" لما مضى، و "سلهم" مستقبل، ولو كان ظرفا مستقبلا لم يصح المعنى، لأن العادين وهم أهل القرية مفقودون، فلا يمكن سؤالهم فالمسؤول غير أهل القرية العادين. الحوفي:
وقرأ شهر بن حوشب وأبو نهيك: "يعدون" بفتح العين وتشديد الدال، وهذه تشبه قراءة في قوله "لا تعدوا في السبت" والأصل "تعتدوا" فأدغم التاء في الدال لمقاربتها لها. وقرئ "تعدون" بضم التاء وكسر العين وتشديد الدال من أعد يعد إعدادا: إذا هيأ آلاته. وفي التفسير: أنهم كانوا مأمورين في السبت فيتركونها ويهيئون آلات الصيد. نافع
قوله: إذ تأتيهم العامل فيه "يعدون"، أي: إذ عدوا إذ أتتهم، لأن الظرف الماضي يصرف المضارع إلى المضي. وقال "وإذ تأتيهم بدل من إذ يعدون بدلا بعد بدل"، يعني أنه بدل ثان من القرية على ما تقرر عنه. وقد تقدم رد الزمخشري: الشيخ عليه هناك وهو عائد هنا.
و "حيتان" جمع حوت، وإنما أبدلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. ومثله: نون ونينان. والنون: الحوت. [ ص: 493 ] قوله: شرعا حال من "حيتانهم" وشرع جمع شارع. وقرأ "يوم إسباتهم" وهو مصدر "أسبت" إذا دخل في السبت. عمر بن عبد العزيز
وقرأ بخلاف عنه عاصم لا يسبتون بضم الباء. وقرأ وعيسى بن عمر: علي والحسن بخلاف عنه "يسبتون" بضم الياء وكسر الباء من أسبت، أي: دخل في السبت. وقرئ: "يسبتون" بضم الياء وفتح الباء مبنيا للمفعول، نقلها وعاصم عن الزمخشري قال: "أي: لا يدار عليهم السبت ولا يؤمرون بأن يسبتوا". الحسن
والعامل في "يوم لا يسبتون" قوله "لا تأتيهم" أي: لا تأتيهم يوم لا يسبتون، وهذا يدل على جواز تقديم معمول المنفي بـ "لا" عليها. وقد قدمت فيه ثلاثة مذاهب: الجواز مطلقا كهذه الآية، المنع مطلقا، التفصيل: بين أن يكون جواب قسم فيمتنع أو لا فيجوز.
قوله: كذلك نبلوهم ذكر الزجاج في هذه الكاف ومجرورها وجهين، أحدهما: قال وابن الأنباري "أي: مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم، فموضع الكاف نصب بـ "نبلوهم". قال الزجاج: "ذلك" إشارة إلى ما بعده، يريد: نبلوهم بما كانوا يفسقون كذلك البلاء الذي وقع بهم في أمر الحيتان، وينقطع الكلام عند قوله ابن الأنباري: "لا تأتيهم" .
الوجه الثاني: قال "ويحتمل أن يكون على بعد أن [ ص: 494 ] يكون: ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك، أي: لا تأتيهم شرعا، ويكون نبلوهم مستأنفا". قال الزجاج: وعلى هذا الوجه: "كذلك" راجعة إلى الشروع في قوله تعالى: أبو بكر: يوم سبتهم شرعا والتقدير: ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك الإتيان بالشروع، وموضع الكاف على هذا نصب بالإتيان على الحال، أي: لا تأتي مثل ذلك الإتيان.
وقوله: بما كانوا الباء سببية، و "ما" مصدرية أي: نبلوهم بسبب فسقهم، ويضعف أن تكون بمعنى الذي لتكلف حذف العائد على التدريج. وقد ذكر هنا مسألة مختلفا فيها بين النحاة لا تعلق لها بهذا الموضع فقال: وأفصح اللغات أن ينتصب الظرف مع السبت والجمعة فتقول: اليوم السبت، واليوم الجمعة، فتنصب "اليوم" على الظرف وترفع مع سائر الأيام فتقول: اليوم الأحد، واليوم الأربعاء، لأنه لا معنى للفعل فيهما، فالمبتدأ هو الخبر فترفع. قلت: هذه المسألة فيها خلاف بين النحويين، فالجمهور كما ذكر يوجبون الرفع لأنه بمنزلة قولك: اليوم الأول، اليوم الثاني. وأجاز مكي الفراء النصب قالا: لأن اليوم بمنزلة الآن، فالآن أعم من الأحد والثلاثاء، فكأنه قيل: الآن الأحد، الآن الاثنان، أي: إنهما واقعان في الآن، وليست هذه المسألة مختصة بالجمعة والسبت، بل الضابط فيها أنه إذا ذكر "اليوم" مع ما يتضمن عملا وحدثا جاز النصب والرفع نحو قولهم: اليوم العيد، اليوم الفطر، اليوم الأضحى، كأنك قلت: اليوم يحدث اجتماع وفطر وأضحية. وهشام