الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (8) قوله تعالى: والوزن يومئذ الحق : "الوزن" مبتدأ، وفي الخبر وجهان، أحدهما: هو الظرف أي: الوزن كائن أو مستقر يومئذ أي: يوم إذ نسأل الرسل والمرسل إليهم. فحذف الجملة المضاف إليها "إذ" وعوض منها التنوين. هذا مذهب الجمهور خلافا للأخفش. وفي "الحق" على هذا الوجه ثلاثة أوجه أحدها: أنه نعت للوزن أي: الوزن الحق في ذلك اليوم. والثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه جواب سؤال مقدر من قائل يقول: ما ذلك الوزن؟ فقيل: هو الحق لا الباطل. والثالث: أنه بدل من الضمير المستكن في الظرف. وهو غريب ذكره مكي.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني من وجهي الخبر: أن يكون الخبر "الحق" ، و "يومئذ" على هذا فيه وجهان أحدهما: أنه منصوب على الظرف ناصبه "الوزن" أي: يقع الوزن ذلك [ ص: 256 ] اليوم. والثاني: أنه مفعول به على السعة. وهذا الثاني ضعيف جدا لا حاجة إليه. ولما ذكر أبو البقاء كون "الحق" خبرا، وجعل "يومئذ" ظرفا للوزن قال: "ولا يجوز على هذا أن يكون صفة، لئلا يلزم الفصل بين الموصول وصلته". قلت: وأين الفصل؟ فإن التركيب القرآني إنما جاء فيه "الحق" بعد تمام الموصول بصلته، وإذا تم الموصول بصلته جاز أن يوصف. تقول: "ضربك زيدا يوم الجمعة الشديد حسن" فالشديد صفة لضربك. فإن توهم كون الصفة محلها أن تقع بعد الموصوف وتليه، فكأنها مقدمة في التقدير فحصل الفصل تقديرا، فإن هذا لا يلتفت إليه، لأن تلك المعمولات من تتمة الموصول فلم يك إلا الموصول. وعلى تقدير اعتقاد ذلك له، فالمانع من ذلك أيضا صيرورة المبتدأ بلا خبر، لأنك إذا جعلت "يومئذ" ظرفا للوزن و "الحق" صفته فأين خبره؟ فهذا لو سلم من المانع الذي ذكره كان فيه هذا المانع الآخر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد طول مكي بذكر تقدير تقديم "الحق" على "يومئذ" وتأخيره عنه باعتبار الإعرابات المتقدمة، وهذا لا حاجة إليه لأنا مقيدون في القرآن بالإتيان بنظمه. وذكر أيضا أنه يجوز نصبه، يعني أنه لو قرئ به لكان جائزا، وهذا أيضا لا حاجة إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      و "موازين" فيها قولان: أحدهما: أنها جمع ميزان: الآلة التي يوزن بها، وإنما جمع لأن كل إنسان له ميزان يخصه على ما جاء في التفسير، أو جمع باعتبار الأعمال المكثرة، وعبر عن الحال بالمحل. والثاني: أنها جمع موزون وهي الأعمال، والجمع حينئذ ظاهر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 257 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية