الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (154) قوله تعالى: ولما سكت : السكوت والسكات: قطع الكلام، وهو هنا استعارة بديعة. قال الزمخشري: هذا مثل كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له: قل لقومك كذا، وألق الألواح وجر برأس أخيك إليك، فترك النطق بذلك وترك الإغراء به، ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم وذوق صحيح إلا لذلك، ولأنه من قبيل شعب البلاغة، وإلا فما لقراءة معاوية بن قرة "ولما سكن" بالنون لا تجد النفس عندها شيئا من تلك الهزة وطرفا من تلك الروعة؟.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: شبه جمود الغضب بانقطاع كلام المتكلم. قال يونس: "سال [ ص: 472 ] الوادي ثم سكت"، فهذا أيضا استعارة. وقال الزجاج: "مصدر سكت الغضب السكتة، ومصدر سكت الرجل السكوت"، وهذا يقتضي أن يكون "سكت الغضب" فعلا على حدته. وقيل: هذا من باب القلب والأصل: ولما سكت موسى عن الغضب نحو: أدخلت القلنسوة في رأسي، وهذا ينبغي أن لا يجوز لعدم الاحتياج إليه، مع ما في القلب من الخلاف الذي ذكرته لك غير مرة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وفي نسختها هدى ، هذه الجملة في محل نصب على الحال من الألواح أو من ضمير موسى، والأول أحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: للذين متعلق بمحذوف لأنه صفة لـ "رحمة" أي: رحمة كائنة للذين. ويجوز أن تكون اللام لام المفعول من أجله كأنه قيل: هدى ورحمة لأجل هؤلاء، و " هم " مبتدأ، و "يرهبون" خبره، والجملة صلة الموصول.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لربهم يرهبون في هذه اللام أربعة أوجه، أحدها: أن اللام مقوية للفعل، لأنه لما تقدم معموله ضعف فقوي باللام كقوله: إن كنتم للرؤيا تعبرون وقد تقدم أن اللام تكون مقوية حيث كان العامل مؤخرا أو فرعا نحو: فعال لما يريد ، ولا تزاد في غير هذين إلا ضرورة عند بعضهم كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2305 - ولما أن تواقفنا قليلا أنخنا للكلاكل فارتمينا

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 473 ] أو في قليل عند آخرين كقوله تعالى: ردف لكم . والثاني: أن اللام لام العلة، وعلى هذا فمفعول "يرهبون" محذوف تقديره: يرهبون عقابه لأجله، وهذا مذهب الأخفش. الثالث: أنها متعلقة بمصدر محذوف تقديره: الذين هم رهبتهم لربهم، وهو قول المبرد، وهذا غير جار على قواعد البصريين لأنه يلزم منه حذف المصدر وإبقاء معموله وهو ممتنع إلا في شعر، وأيضا فهو تقدير مخرج للكلام عن وجه فصاحته. الرابع: أنها متعلقة بفعل مقدر أيضا تقديره: يخشعون لربهم. ذكره أبو البقاء وهو أولى مما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية