الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (84) قوله تعالى: ووهبنا : فيها وجهان، الصحيح منهما: أنها معطوفة على الجملة الاسمية من قوله "وتلك حجتنا" وعطف الاسمية على الفعلية وعكسه جائز. والثاني: أجازه ابن عطية وهو أن يكون نسقا على "آتيناها" ، ورده الشيخ بأن "آتيناها" لها محل من الإعراب: إما الخبر، وإما الحال، وهذه لا محل لها لأنها لو كانت معطوفة على الخبر أو الحال لاشترط فيها رابط. و "كلا" منصوب بـ "هدينا" بعده، والتقدير: وكل واحد من هؤلاء المذكورين. قوله: "ومن ذريته" الهاء في "ذريته" فيها وجهان، أحدهما: أنها تعود على نوح لأنه أقرب مذكور، ولأن إبراهيم ومن بعده من الأنبياء كلهم منسوبون إليه. والثاني أنه يعود على إبراهيم لأنه المحدث عنه والقصة مسوقة لذكره وخبره، ولكن رد هذا القول بكون لوط ليس من ذريته [ ص: 28 ] إنما هو ابن أخيه أو أخته، ذكر ذلك مكي وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أجيب عن ذلك فقال ابن عباس: "هؤلاء الأنبياء كلهم مضافون إلى ذرية إبراهيم وإن كان فيهم من لم يلحقه بولادة من قبل أم ولا أب لأن لوطا ابن أخي إبراهيم، والعرب تجعل العم أبا" . وقال أبو سليمان الدمشقي: "ووهبنا له لوطا" في المعاضدة والمناصرة. فعلى هذا يكون "لوطا" منصوبا بـ "وهبنا" من غير قيد بكونه من ذريته، وقوله "داود" وما عطف عليه منصوب: إما بفعل الهبة وإما بفعل الهداية. و "من ذريته" يجوز فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بذلك الفعل المحذوف، وتكون "من" لابتداء الغاية. والثاني: أنها حال أي: حال كون هؤلاء الأنبياء منسوبين إليه. "وكذلك نجزي" [الكاف في محل نصب نعتا لمصدر محذوف أي: نجزيهم جزاء مثل ذلك الجزاء، ويجوز أن يكون في محل رفع أي: الأمر كذلك] ، وقد تقدم ذلك في قوله وكذلك نري إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "واليسع" قرأ الجمهور: "اليسع" بلام واحدة وفتح الياء بعدها، وقرأ الأخوان: الليسع، بلام مشددة وياء ساكنة بعدها، فقراءة الجمهور فيها تأويلان، أحدهما: أنه منقول من فعل مضارع، والأصل: يوسع كيوعد، فوقعت الواو بين ياء وكسرة تقديرية، لأن الفتحة إنما جيء بها لأجل حرف الحلق فحذفت لحذفها في يضع ويدع ويهب وبابه، ثم سمي به مجردا عن [ ص: 29 ] ضمير، وزيدت فيه الألف واللام على حد زيادتها في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1976 - رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأعباء الخلافة كاهله



                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1977 - باعد أم العمرو من أسيرها     حراس أبواب على قصورها



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الألف واللام فيه للتعريف كأنه قدر تنكيره. والثاني: أنه اسم أعجمي لا اشتقاق له، لأن اليسع يقال له يوشع بن نون فتى موسى، فالألف واللام فيه زائدتان أو معرفتان كما تقدم قبل ذلك، وهل "أل" لازمة له على تقدير زيادتها؟ فقال الفارسي: إنها لازمة شذوذا كلزومها في "الآن" وقال ابن مالك: "ما قارنت الأداة نقله كالنصر والنعمان، أو ارتجاله كاليسع والسموأل فإن الأغلب ثبوت أل فيه، وقد تحذف" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة الأخوين فأصله ليسع كـ ضيغم وصيرف وهو اسم أعجمي، ودخول الألف واللام فيه على الوجهين المتقدمين. واختار أبو عبيد قراءة التخفيف فقال: "سمعنا اسم هذا النبي في جميع الأحاديث: اليسع، ولم يسمه أحد منهم الليسع" وهذا لا حجة فيه لأنه روي اللفظ بأحد لغتيه، وإنما آثروا الرواة هذه اللفظة لخفتها لا لعدم صحة الأخرى. وقال الفراء [ ص: 30 ] في قراءة التشديد: "هي أشبه بأسماء العجم" . وقد تقدم أن في نون "يونس" ثلاث لغات وكذلك في سين يوسف.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وكلا فضلنا" كقوله: "كلا هدينا" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية