الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (90) قوله تعالى: إنكم إذا لخاسرون : إذن حرف جواب وجزاء، وقد تقدم الكلام عليها مشبعا وخلاف الناس فيها. وهي هنا معترضة بين الاسم والخبر. وقد توهم بعضهم فجعل "إذا" هذه "إذا" الظرفية في الاستقبال نحو قولك: "ألزمك إذا جئتني" أي وقت مجيئك. قال: "ثم حذفت الجملة المضافة هي إليها، والأصل: إنكم إذا اتبعتموه لخاسرون، فإذا ظرف والعامل فيه "لخاسرون"، ثم حذفت الجملة المضاف إليها وهي اتبعتموه، وعوض منها التنوين، فلما جيء بالتنوين وهو ساكن التقى بمجيئه ساكنان هو والألف قبله، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فبقي اللفظ "إذا" كما ترى. وزعم هذا القائل أن ذلك جائز بالحمل على "إذا" التي للمضي في قولهم: "حينئذ" و "يومئذ" فكما أن التنوين هناك عوض عن جملة عند الجمهور كذلك هنا. ورد الشيخ هذا بأنه لم يثبت هذا الحكم لـ "إذا" الاستقبالية في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه. قلت: وهذا ليس بلازم إذ لذلك القائل أن يقول: قد وجدت موضعا غير هذا وهو قوله تعالى: إنا إذا لظالمون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد رأيت كلام الشيخ شهاب الدين القرافي في قوله صلى الله عليه وسلم لما سألوه عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقص الرطب إذا جف؟ فقالوا: نعم. فقال: فلا إذن": أن "إذن" هذه هي "إذا" الظرفية، قال: كالتي في قوله تعالى: إذا زلزلت الأرض فحذفت الجملة، وذكره إلى آخره. وكنت لما رأيته تعجبت غاية العجب كيف يصدر هذا منه حتى رأيته في كتاب [ ص: 385 ] الشيخ في هذا الموضع عن بعضهم ولم يسمه، فذهب تعجبي منه، فإن لم يكن ذلك القائل القرافي فقد صار له في المسألة سلف، وإلا فقد اتحد الأصل، والظاهر أنه غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "إنكم" هو جواب والقسم الموطأ له باللام. قال الزمخشري: فإن قلت: ما جواب القسم الذي وطأته اللام في قوله "لئن اتبعتم شعيبا" وجواب الشرط؟ قلت: قوله: إنكم إذا لخاسرون ساد مسد الجوابين. قال الشيخ: "والذي قاله النحويون إن جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، ولذلك وجب مضي فعل الشرط. فإن عنى بأنه ساد مسدهما أنه اجتزئ بذكره عن ذكر جواب الشرط فهو قريب. وإن عنى من حيث الصناعة النحوية فليس كما زعم; لأن الجملة يمتنع أن لا يكون لها محل من الإعراب وأن يكون لها محل من الإعراب". قلت: قد تقدمت هذه المسألة مرارا واعتراض الشيخ عليه، وتقدم الجواب عنه فلا أعيده اكتفاء بما تقدم. ويعني الشيخ بقوله: لأن الجملة يمتنع أن يكون لها محل من الإعراب إلى آخره أنها من حيث كونها جوابا للشرط يستدعي أن يكون لها محل من الإعراب وهو الجزم، ومن حيث كونها جوابا للقسم يستدعي أن لا يكون لها محل; إذ الجملة التي هي جواب القسم لا محل [لها] لأنها من الجمل المستأنفة المبتدأ بها، وقد تقرر أن الجملة الابتدائية لا محل [لها] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية