الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (49) قوله تعالى: أهؤلاء الذين أقسمتم : يجوز في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها في محل نصب بالقول المتقدم أي: قالوا: ما أغنى وقالوا: أهؤلاء الذين. والثاني: أن تكون جملة مستقلة غير داخلة في حيز القول، والمشار إليهم على القول الأول هم أهل الجنة، والقائلون ذلك هم أهل الأعراف، والمقول لهم هم أهل النار. والمعنى: وقال أهل الأعراف لأهل النار: أهؤلاء الذين في الجنة اليوم هم الذين كنتم تحلفون إنهم لا يدخلون الجنة، برحمة الله وفضله ادخلوا الجنة أي: قالوا لهم أو قيل لهم: ادخلوا الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما على القول الثاني وهو الاستئناف: فاختلف في المشار إليه. فقيل: هم أهل الأعراف، والقائل ذلك ملك يأمره الله بهذا القول، والمقول له هم أهل النار. وقيل: المشار إليه هم أهل الجنة، والقائل هم الملائكة، والمقول له هم أهل النار. وقيل: المشار إليهم هم أهل الأعراف وهم القائلون ذلك أيضا، والمقول لهم الكفار، وقوله "ادخلوا الجنة" من قولة أهل الأعراف أيضا أي: يرجعون فيخاطب بعضهم بعضا فيقولون: ادخلوا الجنة. وقال ابن الأنباري: "إن قوله: أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" من كلام أصحاب الأعراف. وقوله "ادخلوا" من كلام الله تعالى، وذلك على إضمار قول أي: فقال لهم الله: ادخلوه، ونظيره قوله تعالى: يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فهذا من كلام الملأ، فماذا تأمرون؟ فهذا من كلام فرعون أي: فقال: فماذا تأمرون؟ [ ص: 333 ] وقرأ الحسن وابن سيرين: "أدخلوا الجنة" أمرا من أدخل وفيها تأويلان، أحدهما: أن المأمور بالإدخال الملائكة أي: أدخلوا يا ملائكة هؤلاء. ثم خاطب البشر بعد خطاب الملائكة فقال: لا خوف عليكم، وتكون الجملة من قوله: "لا خوف" لا محل لها من الإعراب لاستئنافها. والثاني: أن المأمور بذلك هم أهل الأعراف والتقدير: أدخلوا أنفسكم، فحذف المفعول في الوجهين. ومثل هذه القراءة هنا قوله تعالى: أدخلوا آل فرعون وستأتي إن شاء الله، إلا أن المفعول هناك مصرح به في إحدى القراءتين.

                                                                                                                                                                                                                                      والجملة من قوله "لا خوف" على هذا في محل نصب على الحال أي: أدخلوا أنفسكم غير خائفين. وقرأ عكرمة "دخلوا" ماضيا مبنيا للفاعل. وطلحة وابن وثاب والنخعي "أدخلوا" من أدخل ماضيا مبنيا للمفعول على الإخبار، وعلى هاتين فالجملة المنفية في محل نصب بقول مقدر، ذلك القول منصوب على الحال أي: مقولا لهم لا خوف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية