الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (189) قوله تعالى: حملا : المشهور أن الحمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة، وبالكسر ما كان على ظهر أو رأس [غير] شجرة. وحكى أبو سعيد في حمل المرأة: حمل وحمل. وحكى يعقوب في حمل النخلة الكسرة. والحمل في الآية يجوز أن يراد به المصدر فينتصب انتصابه، وأن يراد به نفس الجنين، وهو الظاهر، فينتصب انتصاب المفعول به كقولك: حملت زيدا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فمرت الجمهور على تشديد الراء ومعناه: استمرت به، أي: قامت وقعدت. وقيل: هو على القلب، أي: فمر بها، أي استمر ودام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس وأبو العالية ويحيى بن يعمر وأيوب "فمرت" خفيفة [ ص: 534 ] الراء، وفيها تخريجان، أحدهما: أن أصلها التشديد، ولكنهم كرهوا التضعيف في حرف مكرر فتركوه، وهذا كقراءة "وقرن" بفتح القاف إذا جعلناه من القرار. والثاني: أنه من المرية وهو الشك، أي: فشكت بسببه أهو حمل أم مرض؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاص والجحدري: "فمارت" بألف وتخفيف الراء. وفيها أيضا وجهان، أحدهما: أنها من مار يمور، أي جاء وذهب، ومارت الريح، أي: جاءت وذهبت وتصرفت في كل وجه، ووزنه حينئذ فعلت والأصل مورت، ثم قلبت الواو ألفا فهو كطافت تطوف. والثاني: أنها من المرية أيضا قاله الزمخشري وعلى هذا فوزنه فاعلت والأصل: ماريت كضاربت، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلب ألفا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين فهو كبارت ورامت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن عباس أيضا والضحاك "فاستمرت به" وهي واضحة. وقرأ أبي "فاستمارت" وفيها الوجهان المتقدمان في "فمارت"، أي: أنه يجوز أن يكون من المرية، والأصل "استمريت"، وأن يكون من المور والأصل: استمورت.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أثقلت ، أي: صارت ذا ثقل كقولهم: ألبن الرجل وأتمر، أي : [ ص: 535 ] صار ذا لبن وتمر. وقيل: دخلت في الثقل، كقولهم: أصبح وأمسى، أي: دخلت في الصباح والمساء. وقرئ "أثقلت" مبنيا للمفعول.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: دعوا الله متعلق الدعاء محذوف لدلالة الجملة القسمية عليه، أي: دعواه في أن يؤتيهما ولدا صالحا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لئن آتيتنا هذا القسم وجوابه فيه وجهان، أظهرهما: أنه مفسر لجملة الدعاء كأنه قيل: فما كان دعاؤهما؟ كان دعاؤهما كيت وكيت، ولذلك قلت: إن هذه الجملة دالة على متعلق الدعاء. والثاني: أنه معمول لقول مضمر تقديره: فقالا: لئن آتيتنا. و "لنكونن" جواب القسم، وجواب الشرط محذوف على ما تقرر. و "صالحا" فيه قولان أظهرهما: أنه مفعول ثان، أي: ولدا صالحا. والثاني - وبه قال مكي-: أنه نعت مصدر محذوف، أي: إيتاء صالحا. وهذا لا حاجة إليه لأنه لا بد من تقدير الموتى لهما.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية