الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (37) وقوله تعالى: من الكتاب : في محل الحال من "نصيبهم" أي: حال كونه مستقرا من الكتاب و "من" لابتداء الغاية.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: حتى إذا : "حتى" هنا غاية، و "إذا" وما في حيزها تقدم لك الكلام عليها غير مرة: هل هي جارة أو حرف ابتداء؟ وتقدم عبارة الزمخشري فيها. واختلفوا فيها إذا كانت حرف ابتداء أيضا: هل هي حينئذ جارة وتتعلق بما قبلها تعلق حروف الجر من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، والجملة [ ص: 310 ] بعدها في محل جر، أو ليست بجارة بل هي حرف ابتداء فقط، غير جارة وإن كان معناها الغاية كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3190 - سريت بهم حتى تكل مطيهم وحتى الجياد ما يقدن بأرسان



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      2191 - فما زالت القتلى تمج دماءها     بدجلة حتى ماء دجلة أشكل



                                                                                                                                                                                                                                      خلاف. الأول قول ابن درستويه، والثاني قول الجمهور. وقال صاحب "التحرير": "حتى هنا ليست للغاية بل هي ابتداء وخبره"، وهذا وهم إذ الغاية معنى لا يفارقها، وقوله: "بل هي ابتداء وخبر" تسامح في العبارة، يريد: بل الجملة بعدها. ثم الجملة التي بعدها في هذا المكان ليست ابتداء وخبرا بل هي جملة فعلية وهي: "قالوا"، و "إذا" معمولة لها. وممن ذهب إلى أنها ليست هنا للغاية الواحدي فإنه حكى في معنى الآية أقوالا ثم قال: فعلى هذا القول معنى: "حتى" للانتهاء والغاية، وعلى القولين الأولين ليست "حتى" في هذه الآية للغاية بل هي التي يقع بعدها الجمل وينصرف الكلام بعدها إلى الابتداء كـ "أما" و "إذا". ولا تعلق لقوله: "حتى إذا" بما قبله بل هذا ابتداء خبر، أخبر عنهم، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2192 - فيا عجبا حتى كليب تسبني     كأن أباها نهشل أو مجاشع



                                                                                                                                                                                                                                      قلت: وهذا غير مرضي منه لمخالفته الجمهور. وقوله: "لا تعلق لها بما قبلها" ممنوع على جميع الأقوال التي ذكرها، ولولا خوف الإطالة لأوردت [ ص: 311 ] ما توهم كونه مانعا مما ذكر، ولذكرت الانفصال عنه، والظاهر أنها إنما تتعلق بقوله ينالهم نصيبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يتوفونهم في محل نصب على الحال. وكتبت "أينما" متصلة وحقها الانفصال، لأن "ما" موصولة لا صلة، إذ التقدير: أين الذين تدعونهم؟ ولذلك كتب إن ما توعدون لآت منفصلا و إنما الله متصلا. وقولهم: "ضلوا" جواب من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، وذلك أن السؤال إنما وقع عن مكان الذين كانوا يدعونهم من دون الله، فلو جاء الجواب على نسق السؤال لقيل: هم في المكان الفلاني، وإنما المعنى: ما فعل معبودكم ومن كنتم تدعونهم؟ فأجابوا بأنهم ضاعوا عنهم وغابوا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وشهدوا يحتمل أن يكون نسقا على "قالوا" الذي وقع جوابا لسؤال الرسل فيكون داخلا في الجواب أيضا. ويحتمل أن يكون مستأنفا مقتطعا عما قبله ليس داخلا في حيز الجواب. كذا قال الشيخ وفيه نظر; من حيث إنه جعل هذه الجملة جوابا لعطفها على قالوا، وقالوا في الحقيقة ليس هو الجواب، إنما الجواب هو مقول هذا القول وهو "ضلوا عنا" فـ "ضلوا عنا" هو الجواب الحقيقي الذي يستفاد منه الكلام. ونظيره أن يقول: سألت زيدا ما فعل؟ فقال: أطعمت وكسوت، فنفس أطعمت وكسوت هو الجواب. وإذا تقرر هذا فكان ينبغي أن يقول "فيكون" معطوفا على "ضلوا عنا"، ثم لو قال كذلك لكان مشكلا من جهة أخرى: وهو أنه كان يكون التركيب الكلامي: "ضلوا عنا وشهدنا على أنفسنا أنا كنا"، إلا أن يقال: حكى الجواب الثاني على المعنى، فهو محتمل على بعد بعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 312 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية