الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (59) قوله تعالى: لقد أرسلنا : جواب قسم محذوف تقديره: والله لقد أرسلنا. قال الزمخشري: فإن قلت: ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع "قد"، وقل عنهم قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2224 - حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      قلت: إنما كان ذلك لأن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى "قد" عند استماع المخاطب كلمة "القسم"، وأما غير أبي القاسم من النحاة فإنه قال: إذا كان جواب القسم ماضيا مثبتا متصرفا: فإما أن يكون قريبا من زمن الحال فتأتي بـ "قد" وإلا أتيت باللام وحدها. فظاهر هذه العبارة جواز الوجهين باعتبارين. [ ص: 354 ] وقال هنا: "لقد" من غير عاطف وفي هود والمؤمنين: "ولقد" بعاطف. وأجاب الكرماني بأن في هود قد تقدم ذكر الرسول مرات، وفي المؤمنين ذكر نوح ضمنا في قوله: "وعلى الفلك" لأنه أول من صنعها [فحسن أن يؤتى بالعاطف على ما تقدم] بخلافه في هذه السورة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "غيره" قرأه الكسائي بخفض الراء في جميع القرآن، والباقون برفعها. وقرأ عيسى بن عمر "غيره" بالنصب. فالجر على النعت أو البدل من "إله" لفظا. والرفع على النعت أو البدل من موضع "إله" لأن "من" مزيدة فيه، وموضعه رفع: إما بالابتداء وإما بالفاعلية. ومنع مكي في وجه الجر أن يكون بدلا من "إله" على اللفظ قال: كما لا يجوز دخول "من" لو حذفت المبدل منه لأنها لا تدخل في الإيجاب، وهذا كلام متهافت. والنصب على الاستثناء، والقراءتان الأوليان أرجح; لأن الكلام متى كان غير إيجاب رجح الإتباع على النصب على الاستثناء، وحكم "غير" حكم الاسم الواقع بعد "إلا". و "من إله" إذا جعلته مبتدأ فلك في الخبر وجهان أظهرهما: أنه "لكم"، والثاني: أنه محذوف أي: ما لكم من إله في الوجود أو في العالم غير الله، و "لكم" على هذا تخصيص وتبيين.

                                                                                                                                                                                                                                      وجيء هنا بفاء العطف حيث قيل "فقال" وكذا في المؤمنين، وفي قصة هود وصالح وشعيب هنا بغير فاء، والأصل الفاء، وإنما حذفت تخفيفا [ ص: 355 ] وتوسعا واكتفاء بالربط المعنوي، وكانت الثواني فما بعدها بالحذف أولى، وأما في هود فيقدر قبل قوله: "إني لكم": فقال، بالفاء على الأصل. وجاء هنا ما لكم من إله غيره فلم يعطف هذه الجملة المنفية بفاء ولا غيرها لأنها مبينة ومنبهة على اختصاص الله تعالى بالعبادة ورفض ما سواه وكانت في غاية الاتصال.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية