الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (78) قوله تعالى: هذا ربي : إنما ذكر اسم الإشارة والمشار إليه مؤنث لأحد وجوه: إما ذهابا بها مذهب الكوكب، وإما ذهابها مذهب الضوء والنور، وإما بتأويل الطالع أو الشخص أو الشيء، أو لأنه لما أخبر عنها بمذكر أعطيت حكمه، تقول: هند ذاك الإنسان وتيك الإنسان، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      1967 - تبيت نعمى على الهجران غائبة سقيا ورعيا لذاك الغائب الزاري



                                                                                                                                                                                                                                      فأشار إلى "نعمى" وهي مؤنث إشارة المذكر لوصفها بوصف الذكور أو لأن فيها لغتين التذكير والتأنيث، وإن كان الأكثر التأنيث فقد جمع بينهما في الآية الكريمة فأنث في قوله "بازغة" وذكر في قوله "هذا" . وقال الزمخشري: "جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شيء واحد كقولهم: ما جاءت حاجتك، ومن كانت أمك، و لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث، ألا تراهم قالوا في صفة الله: علام، ولم يقولوا علامة، وإن كان أبلغ، احترازا من علامة التأنيث" . قلت: هذا قريب مما تقدم في قولي: إن المؤنث إذا أخبر عنه بمذكر عومل معاملة المذكر نحو: "هند ذاك الإنسان" . وقيل: لأنها بمعنى هذا النير أو المرئي.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: ويمكن أن يقال: إن أكثر لغة الأعاجم لا يفرقون في [ ص: 15 ] الضمائر ولا في الإشارة بين المذكر والمؤنث ولا علامة عندهم للتأنيث، بل المذكر والمؤنث سواء، فلذلك أشار إلى المؤنث عندنا حين حكى كلام إبراهيم بما يشار به إلى المذكر، بل لو كان المؤنث بفرج لم يكن له علامة تدل عليه في كلامهم، وحين أخبر تعالى عنهم بقوله "بازغة" و"أفلت" أتت على مقتضى العربية إذ ليس ذلك بحكاية. انتهى. وهذا إنما يظهر أن لو حكى كلامهم بعينه في لغتهم، أما شيء يعبر عنه بلغة العرب ويعطى حكمه في لغة العجم فهو محل نظر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: " مما يشركون " "ما" مصدرية أي: بريء من إشراككم أو موصولة أي: من الذين يشركونه مع الله في عبادته، فحذف العائد، ويجوز أن تكون الموصوفة، والعائد أيضا محذوف، إلا أن حذف عائد الصفة أقل من حذف عائد الصلة، فالجملة بعدها لا محل لها على القولين الأولين، ومحلها الجر على الثالث.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية