الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (11) قوله تعالى: ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا : اختلف الناس في "ثم" في هذين الموضعين: فمنهم من لم يلتزم فيها ترتيبا وجعلها بمنزلة الواو فإن خلقنا وتصويرنا بعد قوله تعالى للملائكة "اسجدوا". ومنهم من قال: هي للترتيب لا في الزمان بل للترتيب في الإخبار، ولا طائل في هذا. ومنهم من قال: هي للترتيب الزماني وهذا هو موضوعها الأصلي. ومنهم من قال: الأولى للترتيب الزماني والثانية للترتيب الإخباري. واختلفت عبارة القائلين بأنها للترتيب في الموضعين فقال بعضهم: إن ذلك على حذف مضافين، والتقدير: ولقد خلقنا آباءكم ثم صورنا آباءكم ثم قلنا، ويعني بأبينا آدم عليه السلام. والترتيب الزماني هنا ظاهر بهذا التقدير. وقال بعضهم: الخطاب في "خلقناكم وصورناكم" لآدم عليه السلام وإنما خاطبه بصيغة الجمع وهو واحد تعظيما له ولأنه أصل الجميع، والترتيب أيضا واضح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم: المخاطب بنو آدم والمراد به أبوهم، وهذا من باب الخطاب لشخص والمراد به غيره كقوله: وإذ نجيناكم من آل فرعون إلى آخره، وإنما المنجى والذي كان يسام سوء العذاب أسلافهم. وهذا مستفيض في لسانهم. وأنشدوا على ذلك قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2144 - إذا افتخرت يوما تميم بقوسها وزادت على ما وطدت من مناقب     فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم
                                                                                                                                                                                                                                      عروش الذين استرهنوا قوس حاجب



                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الوقعة إنما كانت في أسلافهم. [ ص: 261 ] والترتيب أيضا واضح على هذا. ومن قال: إن الأولى للترتيب الزماني والثانية للترتيب الإخباري اختلفت عباراتهم أيضا. فقال بعضهم: المراد بالخطاب الأول آدم وبالثاني ذريته، والترتيب الزماني واضح، و "ثم" الثانية للترتيب الإخباري. وقال بعضهم: ولقد خلقناكم في ظهر آدم ثم صورناكم في بطون أمهاتكم. وقال بعضهم: ولقد خلقنا أزواجكم ثم صورنا أجسامكم. وهذا غريب نقله القاضي أبو يعلى في "المعتمد". وقال بعضهم: خلقناكم نطفا في أصلاب الرجال ثم صورناكم في أرحام النساء. وقال بعضهم: ولقد خلقناكم في بطون أمهاتكم وصورناكم فيها بعد الخلق بشق السمع والبصر، فـ "ثم" الأولى لترتيب الزمان، والثانية لترتيب الإخبار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلا إبليس تقدم الكلام عليه في البقرة. وقوله "لم يكن" هذه الجملة استئنافية لأنها جواب سؤال مقدر، وهذا كما تقدم في قوله في البقرة "أبى". وتقدم أن الوقف على إبليس. وقيل: فائدة هذه الجملة التوكيد لما أخرجه الاستثناء من نفي سجود إبليس. وقال أبو البقاء: "إنها في محل نصب على الحال أي: إلا إبليس حال كونه ممتنعا من السجود". وهذا كما تقدم له في البقرة من أن "أبى" في موضع نصب على الحال.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية