الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (193) قوله تعالى: وإن تدعوهم : الظاهر أن الخطاب للكفار وضمير النصب للأصنام، والمعنى: وإن تدعوا آلهتكم إلى طلب هدى ورشاد كما تطلبونه من الله لا يتابعوكم على مرادكم. ويجوز أن يكون الضمير للرسول والمؤمنين والمنصوب للكفار: وإن تدعوا أنتم هؤلاء الكفار إلى الإيمان. ولا يجوز أن يكون "تدعوا" مسندا إلى ضمير الرسول فقط، والمنصوب للكفار أيضا، لأنه كان ينبغي أن تحذف الواو لأجل الجازم، ولا يجوز أن يقال قدر حذف الحركة وثبت حرف العلة كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2358 - هجوت زبان ثم جئت معتذرا من هجو زبان لم تهجو ولم تدع



                                                                                                                                                                                                                                      ويكون مثل قوله تعالى: إنه من يتق ويصبر ، فلا تنسى ، " لا تخف دركا ولا تخشى " لأنه ضرورة، وأما الآيات فمؤولة وسيأتي ذلك، وقد مضى منه جملة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "لا يتبعكم" قرأ نافع بالتخفيف وكذا في الشعراء "يتبعهم"، والباقون بالتشديد، فقيل: هما لغتان، ولهذا جاء في قصة آدم: فمن تبع ، في موضع آخر اتبع . وقيل: تبع: اقتفى أثره، واتبعه بالتشديد اقتدى به. والأول أظهر. [ ص: 538 ] قوله: أم أنتم صامتون هذه جملة اسمية عطفت على أخرى فعلية لأنها في معنى الفعلية، والتقدير: أم صمتم. وقال أبو البقاء: "جملة اسمية في موضع الفعلية والتقدير: أدعوتموهم أم صمتم". وقال ابن عطية: "عطف الاسم على الفعل إذ التقدير: أم صمتم، ومثله قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      2359 - سواء عليك الفقر أم بت ليلة     بأهل القباب من نمير بن عامر



                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "وليس من عطف الفعل على الاسم، إنما هو من عطف الاسمية على الفعلية، وأما البيت فليس فيه عطف فعل على اسم، بل من عطف الفعلية على اسم مقدر بالفعلية إذ الأصل: سواء عليك أفتقرت أم بت، وإنما أتى في الآية بالجملة الثانية اسمية لأن الفعل يشعر بالحدوث ولأنها رأس فاصلة".

                                                                                                                                                                                                                                      والصمت: السكون، يقال منه: صمت يصمت: بالفتح في الماضي والضم في المضارع. ويقال: صمت بالكسر يصمت بالفتح، والمصدر: الصمت والصمات. و "إصمت" بكسر الهمزة والميم اسم فلاة معروفة، وهو منقول من فعل الأمر من هذه المادة. وقد رد بعضهم هذا بأنه لو كان منقولا من الأمر لكان ينبغي أن تكون همزته همزة وصل، ولكان ينبغي أن تكون ميمه مضمومة إن كان من يصمت، أو مفتوحة إن كان من يصمت، ولأنه كان ينبغي ألا يؤنث بالتاء وقد قالوا إصمتة. والجواب أن فعل الأمر يجب قطع همزته إذا [ ص: 539 ] سمي به نحو "إشرب" لأنه ليس لنا من الأسماء ما همزته للوصل إلا أسماء عشرة [ونوع الانطلاق من كل مصدر زاد على الخمسة] وهو قليل فالإلحاق بالكثير أولى، وأما كسر الميم فلأن التغيير يؤنس بالتغيير، وكذلك الجواب عن تأنيثه بالتاء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية