الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (40) وقرأ أبو عمرو: لا تفتح : بضم التاء من فوق والتخفيف. والأخوان بالياء من تحت والتخفيف، والباقون: بالتأنيث والتشديد. فالتأنيث والتذكير باعتبار الجمع والجماعة، والتخفيف والتضعيف باعتبار التكثير وعدمه، والتضعيف هنا أوضح لكثرة المتعلق. وهو في هذه القراءات مبني للمفعول. وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسم "تفتح" بفتح التاء من فوق والتضعيف، والأصل: لا تتفتح بتاءين فحذفت إحداهما، وقد تقدم في "تذكرون" ونحوه، فـ "أبواب" على قراءة أبي حيوة فاعل، وعلى ما تقدم مفعول لم يسم فاعله. وقرئ: "لا تفتح" بالتاء ونصب "الأبواب" على أن الفعل للآيات، وبالياء على أن الفعل لله، ذكره الزمخشري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله في سم الخياط متعلق بـ "يلج". وسم الخياط ثقب الإبرة وهو الخرت، وسينه مثلثة، وكل ثقب ضيق فهو سم. وقيل: كل ثقب في البدن، وقيل: كل ثقب في أنف أو أذن فهو سم، وجمعه سموم، قال الفرزدق:


                                                                                                                                                                                                                                      2194 - فنفست عن سميه حتى تنفسا وقلت له لا تخش شيئا ورائيا



                                                                                                                                                                                                                                      والسم: القاتل سمي بذلك للطفه وتأثيره في مسام البدن حتى يصل إلى القلب، وهو في الأصل مصدر ثم أريد به معنى الفاعل لدخوله باطن البدن، وقد سمه إذا أدخله فيه، ومنه "السامة" للخاصة الذين يدخلون في بواطن [ ص: 319 ] الأمور ومسامها، ولذلك يقال لهم الدخلل. والسموم: الريح الحارة لأنها تؤثر تأثير السم القاتل. والخياط والمخيط الآلة التي يخاط بها فعال ومفعل كإزار ومئزر ولحاف وملحف وقناع ومقنع. ولا يقال للبعير جمل إلا إذا بزل. وقيل: لا يقال له ذلك إلا إذا بلغ أربع سنين، وأول ما يخرج ولد الناقة ولم تعرف ذكوريته أو أنوثته يقال له: سليل، فإن كان ذكرا فهو سقب، والأنثى حائل، ثم هو حوار إلى الفطام وبعده فصيل إلى سنة، وفي الثانية ابن مخاض وبنت مخاض، وفي الثالثة ابن لبون وبنت لبون، وفي الرابعة حق وحقة، وفي الخامسة جذع وجذعة، وفي السادسة ثني وثنية، وفي السابعة رباع ورباعية مخففة، وفي الثامنة سديس لهما، وقيل: سديسة للأنثى، وفي التاسعة بازل وبازلة، وفي العاشرة مخلف ومخلفة، وليس بعد البزول والإخلاف سن بل يقال: بازل عام أو عامين ومخلف عام أو عامين حتى يهرم فيقال له فود.

                                                                                                                                                                                                                                      والولوج: الدخول بشدة ولذلك يقال: هو الدخول في مضيق فهو أخص من الدخول. والوليجة: كل ما يعتمده الإنسان، والوليجة: الداخل في قوم ليس منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      والجمل قراءة العامة وهو تشبيه في غاية الحسن، وذلك أن الجمل أعظم حيوان عند العرب وأكبره جثة حتى قال:


                                                                                                                                                                                                                                      2195 - . . . . . . . . . . . . . . . .     جسم الجمال وأحلام العصافير

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 320 ] [وقوله] :


                                                                                                                                                                                                                                      2196 - لقد كبر البعير بغير لب      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      وسم الإبرة في غاية الضيق، فلما كان المثل يضرب بعظم هذا وكبره، وبضيق ذاك حتى قيل: أضيق من خرت الإبرة، ومنه الخريت وهو البصير بمضايق الطرق قيل: لا يدخلون الجنة حتى يتقحم أعظم الأشياء وأكبرها عند العرب في أضيق الأشياء وأصغرها، فكأنه قيل: لا يدخلون حتى يوجد هذا المستحيل، ومثله في المعنى قول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      2197 - إذا شاب الغراب أتيت أهلي     وصار القار كاللين الحليب



                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس في رواية ابن حوشب ومجاهد وابن يعمر وأبو مجلز والشعبي ومالك بن الشخير وابن محيصن وأبو رجاء وأبو رزين وأبان عن عاصم: "الجمل" بضم الجيم وفتح الميم مشددة وهو القلس. والقلس: حبل غليظ يجمع من حبال كثيرة فيفتل وهو حبل السفينة وقيل: الحبل الذي يصعد به [إلى] النخل، ويروى عن ابن عباس أنه قال: "إن الله أحسن تشبيها من أن يشبه بالجمل" كأنه رأى إن صح عنه أن المناسب لسم الإبرة شيء يناسب الخيط المسلوك فيها. وقال الكسائي: "الراوي ذلك عن ابن عباس أعجمي فشدد الميم". وضعف ابن عطية قول الكسائي بكثرة رواتها عن [ ص: 321 ] ابن عباس قراءة. قلت: وكذلك هي قراءة مشهورة بين الناس. وروى مجاهد عن ابن عباس ضم الجيم وفتح الميم خفيفة، وهي قراءة ابن جبير وقتادة وسالم الأفطس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس أيضا في رواية عطاء: الجمل بضم الجيم والميم مخففة، وبها قرأ الضحاك والجحدري. وقرأ عكرمة وابن جبير بضم الجيم وسكون الميم. والمتوكل وأبو الجوزاء بالفتح والسكون، وكلها لغات في القلس المذكور. وسئل ابن مسعود عن الجمل في الآية، فقال: زوج الناقة، كأنه فهم ما أراد السائل فاستغباه. وقرأ عبد الله وقتادة وأبو رزين وطلحة: "سم" بضم السين. وأبو عمران الحوفي وأبو نهيك والأصمعي عن نافع: سم بالكسر. وقد تقدم أنها لغات. وقرأ عبد الله وأبو رزين وأبو مجلز: المخيط بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء. وطلحة بفتح الميم. وهذه مخالفة للسواد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وكذلك أي: ومثل ذلك الجزاء نجزي المجرمين، فالكاف نعت لمصدر محذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية