الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (176) قوله تعالى: لرفعناه بها : الضمير المنصوب الظاهر عوده على الذي أوتي الآيات، والمجرور عائد على الآيات. وقيل: المنصوب يعود على الكفر المفهوم مما سبق، والمجرور على الآيات أيضا، أي: لرفعنا الكفر بما ترى من الآيات. وقيل: الضمير المجرور يعود على المعصية والمنصوب على "الذي". والمراد بالرفع: الأخذ، كما تقول: رفع الظالم، أي قلع وأهلك، أي: لأهلكناه بسبب المعصية. وهذه أقوال بعيدة، وإن كانت مروية عن مجاهد وغيره. ولا يظهر الاستدراك إلا على الوجه الأول. ومعنى أخلد، أي: ترامى بنفسه. قال أهل العربية: وأصله من الإخلاد وهو الدوام واللزوم، فالمعنى: لزم الميل إلى الأرض، قال مالك بن نويرة:


                                                                                                                                                                                                                                      2338 - بأبناء حي من قبائل مالك وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا



                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إن تحمل عليه يلهث هذه الجملة الشرطية في محل نصب على الحال، أي: لاهثا في الحالتين. قال بعضهم: وأما الجملة الشرطية فلا تكاد تقع بتمامها موضع الحال فلا يقال: "جاء زيد إن يسأل يعط" على الحال، بل لو أريد ذلك لجعلت الجملة خبرا عن ضمير ما أريد جعل الحال منه فيقال: جاء زيد وهو إن يسأل يعط، فتكون الجملة الاسمية في الحال. نعم قد أوقعوا الجملة الشرطية موقع الحال، ولكن بعد أن أخرجوها عن حقيقة الشرط، وتلك الجملة لا تخلو: من أن يعطف عليها ما يناقضها أو لم يعطف، فالأول يستمر فيه ترك الواو نحو: أتيتك إن أتيتني وإن [ ص: 517 ] لم تأتني، إذ لا يخفى أن النقيضين من الشرطين في مثل هذا الموضع لا يبقيان على معنى الشرط، بل يتحولان إلى معنى التسوية كالاستفهامين المتناقضين في قوله: أأنذرتهم أم لم تنذرهم ، والثاني لا بد فيه من الواو نحو: أتيتك وإن لم تأتني، لأنه لو تركت الواو فقيل: أتيتك إن لم تأتني لالتبس. إذا عرف هذا فقوله إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث من قبيل النوع الأول لأن الحمل عليه والترك نقيضان.

                                                                                                                                                                                                                                      والكلب: يجمع في القلة على أكلب، وفي الكثرة على كلاب، وشذوا فجمعوا أكلبا على أكالب، وكلابا على كلابات، وأما كليب فاسم جمع كفريق لا جمع. قال طرفة:


                                                                                                                                                                                                                                      2339 - تعفق بالأرطى لها وأرادها     رجال فبذت نبلهم وكليب



                                                                                                                                                                                                                                      وتقدمت هذه المادة في المائدة. ويقال: لهث يلهث بفتح العين في الماضي والمضارع لهثا ولهثا بفتح اللام وضمها وهو خروج لسانه في حال راحته وإعيائه، وأما غيره من الحيوان فلا يلهث إلا إذا أعيا أو عطش. والذي يظهر أن هذه الجملة الشرطية لا محل لها من الإعراب لأنها مفسرة للمثل المذكور، وهذا معنى واضح كما قالوا في قوله تعالى: خلقه من تراب فإن الجملة من قوله "خلقه من تراب" مفسرة لقوله تعالى: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم . [ ص: 518 ] قوله: ذلك مثل يجوز أن يشار بـ "ذلك" إلى صفة الكلب، ويجوز أن يشار به إلى المنسلخ من الآيات أو إلى الكلب. وأداة التشبيه محذوفة من ذلك، أي: صفة المنسلخ أو صفة الكلب مثل الذين كذبوا. ويجوز أن تكون المحذوفة من مثل القوم، أي: ذلك الوصف وهو وصف المنسلخ أو وصف الكلب كمثل القوم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية