الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (170) قوله تعالى: والذين يمسكون : فيه وجهان، أظهرهما: أنه مبتدأ، وفي خبره حينئذ [أوجه] ، أحدهما: الجملة من قوله: "إنا لا نضيع أجر المصلحين" وفي الرابط حينئذ أقوال، أحدها: أنه ضمير محذوف لفهم المعنى. والتقدير: المصلحين منهم، وهذا على قواعد جمهور البصريين وقواعد الكوفيين تقتضي أن أل قائمة مقام الضمير تقديره: أجر مصلحيهم كقوله: فإن الجنة هي المأوى ، أي: مأواه، وقوله: مفتحة لهم الأبواب ، أي أبوابها، وقوله: في أدنى الأرض ، أي أرضهم، إلى غير ذلك. والثاني: أن الرابط تكرر المبتدأ بمعناه نحو: زيد قام أبو عبد الله وهو رأي الأخفش، وهذا كما يجيزه في الموصول نحو: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، والحجاج الذي رأيت ابن يوسف، وقد قدمت من ذلك شواهد كثيرة. الثالث: أن الرابط هو العموم في "المصلحين" قاله أبو البقاء، قال: "وإن شئت قلت: لما كان المصلحون جنيا والمبتدأ واحد منه استغنيت [ ص: 508 ] عن ضمير". قلت: العموم رابط من الروابط الخمسة وعليه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2329 - ألا ليت شعري هل إلى أم سالم سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا



                                                                                                                                                                                                                                      ومنه "نعم الرجل زيد" على أحد الأوجه.

                                                                                                                                                                                                                                      والوجه الثاني من وجهي الخبر أنه محذوف تقديره: والذين يمسكون مأجورون أو مثابون ونحوه، وقوله: "إنا لا نضيع" جملة اعتراضية، قاله الحوفي، ولا ضرورة إلى ادعاء مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني من وجهي "والذين يمسكون" : أنه في محل جر نسقا على "للذين يتقون"، أي: ولدار الآخرة خير للمتقين وللمتمسكين، قاله الزمخشري، إلا أنه قال: ويكون قوله "إنا لا نضيع اعتراضا". وفيه نظر لأنه لم يقع بين شيئين متلازمين ولا بين شيئين بينهما تعلق معنوي فكان ينبغي أن يقول: ويكون على هذا مستأنفا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة: "يمسكون" بالتشديد من مسك بمعنى تمسك، حكاه أهل التصريف، أي: إن فعل بمعنى تفعل، وعلى هذا فالباء للآلة كهي في: تمسكت بالحبل. وقرأ أبو بكر عن عاصم ورويت عن أبي عمرو وأبي العالية: "يمسكون" بسكون الميم وتخفيف السين من أمسك، وهما لغتان يقال: مسكت وأمسكت، وقد جمع كعب بن زهير بينهما في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2330 - ولا تمسك بالعهد الذي زعمت     إلا كما يمسك الماء الغرابيل

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 509 ] ولكن أمسك متعد. قال تعالى: ويمسك السماء فعلى هذا مفعوله محذوف تقديره: "يمسكون دينهم وأعمالهم بالكتاب"، فالباء يجوز أن تكون للحال وأن تكون للآلة، أي: مصاحبين للكتاب، أي لأوامره ونواهيه. وقرأ الأعمش وهي قراءة عبد الله "استمسكوا". وأبي "تمسكوا" ماضيين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية