الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثانية: نفقة غير الشجر:

        اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

        القول الأول: وجوب النفقة على الموصى له مطلقا، ما دامت العين صالحة للانتفاع، فإن أهمل النفقة، فأنفق الورثة، أو الموصى له بالرقبة خوفا من ضياع العين، فإنه يرجع بما أنفق في غلة العين الموصى بمنفعتها، فإن كانت العين الموصى بمنفعتها، لا منفعة فيها، فالنفقة تجب على المالك، كما لو أوصى بغلة أشجار صغيرة.

        [ ص: 119 ] وهو قول الحنفية .

        القول الثاني: أن نفقة الحيوان على مالك العين.

        وهو قول للمالكية، وقول الشافعية ، وقول للحنابلة.

        وفي قول للمالكية، والحنابلة لزوم النفقة للموصى له.

        الأدلة:

        دليل من قال بوجوبها على المالك:

        (215 ) 1 - ما رواه مسلم من طريق العجلان مولى فاطمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: للمملوك طعامه، وكسوته، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق .

        فتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق، إذا كانت النفقة هي الملك، فالملك للوارث أو الموصى له بالرقبة، فتكون النفقة عليهما.

        2 - أن جعل النفقة على الموصى له بالنفقة يخرج الوصية من التبرع إلى المعاوضة المجهولة; لأن المنفعة تكون في مقابل النفقة ، وكلاهما مجهول فتكون إجارة بمجهول.

        3 - القياس على نفقة العبد المستأجر، فإن نفقته عليه، وإن كانت منفعته لغيره.

        4 - القاعدة العامة أنه لا يجب على أحد أن ينفق على ملك غيره.

        وحجة القول بوجوبها على الموصى له:

        1 - حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الخراج بالضمان .

        [ ص: 120 ] والقاعدة أن من له الغنم عليه الغرم.

        2 - حديث ابن عباس : لا ضرر ولا ضرار .

        إلا أن هذا مردود بأن المالك قادر على دفع هذا الضرر بإخراج الموصى بمنفعته عن ملكه، كما أن القياس على الزوج قياس معارض بالقياس على العبد المستأجر، ومخالف لقاعدة أنه لا يجب على أحد أن ينفق مال غيره.

        أما الاحتجاج بحديث الخراج بالضمان فغير واضح ولا يسلم; لأن معنى الحديث أن الغلة لمن عليه الضمان، وأن من يجب عليه ضمان الشيء تكون له غلته، وليس معناه أن النفقة تابعة للمنفعة ، فلا يصح الاحتجاج به في الموضوع.

        3 - القياس على نفقة الزوجة، فإنها على الزوج; لانتفاعه بها على الزوجة، وكذا الموصى له ينتفع بالعين الموصى بها.

        والأقرب في هذه المسألة ما ذكره الحنفية من التفصيل.

        فرع: إذا انتهت المدة والأشجار مثمرة، فإن الثمار تكون للموصى له، إذا كانت مزهية، وإن كانت لم تؤبر فهي لورثة الموصي.

        واختلف في المؤبرة التي لم تزه، فقيل: للموصى له، وقيل: لورثة الموصي.

        والأقرب: أن الحكم منوط بالتأبير، كما جاء في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-:

        (216 ) فقد روى البخاري ومسلم من طريق نافع، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من باع نخلا قد أبرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع .

        [ ص: 121 ] أما إذا كانت الوصية بما يلده الحيوان، فإن النتاج المولود بعد انتهاء المدة يكون لورثة الموصي، ولا حق فيه للموصى له ; لعدم دخوله في الوصية.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية