الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب السابع عشر

        اجتماع الوصية بالمنفعة، والوصية بالرقبة في عين واحدة

        يصح اجتماع الوصية بمنفعة شيء، والوصية برقبته في وصية واحدة، أو في وصيتين منفصلتين; لأن كل واحد من الوصفين مشروع في انفراد، فلا يمنع اجتماعهما في عين واحدة،، وهي مستثناة من قاعدة: منع استثناء منفعة العين عند التصرف فيها.

        وتحت هذا حالتان:

        [ ص: 130 ] الأولى: أن يكون الموصى له بالرقبة هو الموصى له بالمنفعة، وقد ذكر لها المالكية صورتين:

        1 - الوصية لمن يولد لفلان، فهي وصية بالمنافع ابتداء وبالرقبة انتهاء عند انحصار الأولاد.

        2 - أن يوصي لشخص بعينه بمنفعة ملك من أملاكه مدة معينة يصير بعدها ملكا له، مثل: الوصية بسكنى داره، أو غلة أرضه لحفيده مدة عشر سنين أو عشرين سنة أو حتى يرشد، ثم يصير ملكا له بعد بذلك يتصرف فيه كيف شاء.

        فيجب العمل فيها بشرط الموصي، فيمنع الموصى له من تفويتها قبل الأجل المحدد إلا أن تقل غلة ما أوصى له بغلته، وتعجز عن كفايته ، فيجوز له البيع بقدر حاجته، ويمنع من بيع الجميع; لأن البيع رخصة للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.

        الحال الثانية: أن يوصي بالمنفعة لشخص، وبالرقبة لآخر، وهي مثل الأولى في المشروعية، والحديث عنها ينحصر في أربع مسائل:

        المسألة الأولى: وهي ما يستحقه كل واحد منهما، فإن هناك خلاف بين الفقهاء: فمذهب المالكية ، والشافعية : أن لكل واحد منهما ما وصي له، فالموصى له بالمنفعة يستحق المنفعة، والموصى له بالرقبة يسحق الرقبة; لأنه لا تناقض بين الوصيتين فتنفذان معا، إلا أنه يبدأ بالمنفعة، فإذا استوفى الموصى له بالمنفعة منفعته، وانتهت هذه الوصية بوفاته أو انتهاء مدتها، فإن الرقبة تعود ملكا للموصى له به بالرقبة عملا بقاعدة: تقديم الخاص على العام; لأن الوصية بالرقبة تستلزم الوصية بالمنفعة ما دامت العين الموصى بها، والوصية بالمنفعة وصية بالمنفعة مدة محددة بحياة الموصى له أو وقت [ ص: 131 ] معلوم، فهي وصية خاصة في الزمان، والوصية بالرقبة عامة فيه، والخاص مقدم على العام تقدم عنه أو تأخر.

        وقال ابن القاسم: إذا أوصى بخدمة العبد لشخص ورقبته لآخر، ولم يؤقت: أنهما يتحاصان في الخدمة يضرب الموصى له بالرقبة بقيمة الرقبة، ويضرب الآخر بقيمة المنفعة.

        وفرق الحنفية بين تقدم الوصية بالرقبة على الوصية بالمنفعة وتأخرها عنها:

        أ - فقالوا: إذا أوصى بالرقبة أولا والمنفعة ثانيا كان لكل واحد منهما ما وصي له به، سواء كانت الوصيتان متصلتين أو منفصلتين.

        ووجهوه بوجهين:

        الأول: أن الوصية بالمنفعة لغير الأول الموصى له بالرقبة يعتبر رجوع عن الوصية بالمنفعة.

        الثاني: أن لفظ العين واسمها لا يتناول منفعتها لا بطريق العموم ولا بطريق التضمن، فاسم الدار لا يتناول السكنى واسم الشجر لا يتناول الثمر لا بطريق العموم، ولا بطريق التضمن، فالوصية بالعين لا يتناول الوصية بما ذكر إلا بالتبع، فإذا جاءت الوصية بالمنفعة لشخص آخر غير الموصى له بالعين تبين أنها غير تابعة للوصية بالعين.

        ب - وإن بدأ بالوصية بالمنفعة قبل الوصية بالعين، فإن كان ذلك متصلا فلكل واحد منهما وصيته، وإن ذكر مفصولا فالرقبة للموصى له بالرقبة وحده، والمنفعة بينهما نصفان; لأن الوصية بالرقبة تشمل الوصية بالمنفعة، وبذلك تكون المنفعة موصى بها لكل منهما، للموصى له بالمنفعة أصالة والموصى له [ ص: 132 ] بالرقبة تبعا فيشتركان فيها، وتبقى الرقبة سالمة للموصى له بالرقبة لا يزاحمه فيها أحد، فتكون له، ويختص بها.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية