الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 300 ] المبحث السابع عشر

        الوصية التي فوض مصرفها

        مثال ذلك: لو قال: أوصيت بثلثي يصرفه فلان حيث شاء، ونحو ذلك:

        اتفق الفقهاء على صحة هذه الوصية; لأنه لما فوض للوصي الصرف، والوصي لا يدفعها إلا لمعين كان ذلك بمنزلة تعيين الموصى له.

        وأما كيفية صرف هذه الوصية، فكما يلي:

        أولا: ليس له أن يخصص بعض ورثة الموصي; لأنه نائب عن الموصي، والموصي لو جعلها لوارثه لبطلت.

        ثانيا: له أن يصرفها حيث شاء.

        قال الشافعية : لو قال: ضع ثلثي حيث رأيت أو فيما أراك الله، فالأولى صرفه إلى أقارب الموصي الذين لا يرثونه، ثم إلى محارمه من الرضاع، ثم إلى جيرانه، وليس له وضعه في نفسه.

        وعند الحنابلة : يصح، ويصرف في أي جهة من جهات القرب، والأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه.

        ثالثا: اختلف العلماء في حكم أخذ الموصى إليه وقرابته من هذه الوصية على أقوال:

        القول الأول: أنه ينظر إلى القرائن، فإن دلت على أنه يأذن في أن يأخذ منها وقرابته جاز، وإلا فلا.

        [ ص: 301 ] وبه قال بعض الحنابلة .

        وحجته: عدم النص في ذلك، فيرجع إلى ظاهر كلامه.

        القول الثاني: أنه إذا قال: ضعها حيث شئت يجوز له إعطاؤها لقرابته ، وإذا قال: ضعها حيث أراك الله لم يجز له أن يأخذ منها لنفسه ولا لولده، ولا لقرابته.

        وإن أراد أن يفرقه على المساكين، أو في جهة من الوجوه وهو منهم، فله الأخذ بتلك الصفة.

        وهو قول المالكية .

        وحجته: تنزيل هذه الأحوال على قرائن كلامه.

        القول الثالث: أنه لا يجوز أن يأخذ لنفسه ولو أذن له، ولا يجوز أن يعطي من لا تجوز شهادته له من قرابته; إلا أن ينص له على شيء بعينه يعطيه لهم.

        وبه قال الشافعية .

        وحجته:

        1 - أنه لا يجوز أن يأخذ لنفسه; لأن إنابته في الدفع تقتضي عدم دخوله.

        2 - ليس له أن يعطي من لا تقبل شهادته له; للتهمة.

        3 - أنه إذا عين شيئا لهم جاز; لانتفاء التهمة.

        القول الرابع: الجواز مطلقا.

        [ ص: 302 ] وبه قال بعض الحنابلة .

        وقيده بعضهم بأخذ أقاربه خاصة إذا كانوا محتاجين.

        وحجتهم: دخوله وأقاربه في العموم.

        القول الخامس: أنه إن أوصى له أن يضعها حيث أحب، جاز له الأخذ لنفسه، وإن قال: أعطها من شئت، فإنه لا يأخذ لنفسه، وإن قال: تصدق بثلثه لم يجز له أن يأخذ لنفسه ولا لولده الذي لا يعقل، بخلاف زوجته وابنه الكبير والصغير الذي يعقل فله أن يدفع لهم.

        وبه قال الحنفية .

        وحجتهم:

        1 - أنه إذا فوض له أن يضعها حيث أحب فله أن يأخذ; لدخول نفسه فيمن أحب.

        2 - أنه إذا قال: أعطها من شئت ليس له أن يأخذ; لأن التوكيل في الدفع يقتضي عدم الأخذ.

        3 - أنه إذا قال تصدق بثلثه لم يأخذ ولا ولده الذي يعقل ; لأن التوكيل بالصدقة يقتضي عدم أخذه، ومن لا يعقل من ولده ملحق به في النفقة، ونحو ذلك.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول; إذ هو ظاهر لفظ الموصي، فإن لم يكن قرائن جاز له ولقرابته الأخذ كغيرهم، لدخولهم في عموم اللفظ، ولعدم منعهم من ذلك.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية