الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 149 ] المبحث الثالث

        المتولي لصرفها

        الحق في تنفيذ الوصية للوصي المعين من قبل الميت، وإلا فالحاكم، أو الوارث.

        قال شيخ الإسلام: « ومن أوصى بإخراج حجة، فولاية الدفع والتعيين للوصي الخاص إجماعا، وإنما للولي العام الاعتراض عليه لعدم أهليته أو فعله محرما، وما أنفقه وصي متبرع بالمعروف في شؤون الوصية فمن مال اليتيم » .

        وأجاز الشافعية : للموصى له أخذ وصيته بنفسه من التركة إذا كانت معينة.

        كما أجازوا للأجنبي أخذها لتسليمها لربها المعين من غير إذن الورثة أو الوصي.

        قال الرملي: « وإن كان لمستحقها الاستقلال بأخذها من التركة، بل لو أخذها أجنبي من التركة، ودفعها إليه لم يضمنها كما صرح به الماوردي ; وذلك لأن الوارث قد يخفيها أو يتلفها، ويطالب الوصي الوارث بنحو ردها، ليبرأ الميت وتبقى تحت يد الوصي لا الحاكم لو غاب مستحقا، وكذا لو تعذر قول الموصى له بها » .

        [ ص: 150 ] وللموصي الحق في تعيين من شاء لتنفيذ وصيته وتوزيعها على مستحقيها، وإيصالها لهم; لأنه نائب عن الميت، وهو قد رضي به وائتمنه على ما هو عليه، ولا اعتراض لأحد من الورثة أو الموصى لهم ولا للحاكم على تعيينه، ولا حق لهم في عزله، كما أنه لا حق لهم في إشراك غيره معه في عمله.

        قال القرافي: « والوصية لغير العدل تجوز بما يخص الميت كالوكالة نحو الوصية بالثلث، أو العتق، أو بشيء في السبيل » .

        ويجوز عند المالكية للميت أن يشترط على الوصي مشاورة شخص آخر من وارث أو غيره يعينه الميت، كما يجوز له اشتراط استقلاله بتنفيذ الوصية دون مشاورة قاض، أو تعقب حاكم.

        وفي هذه الحالة لا يجوز للقاضي مراقبة أمره، أو النظر فيه.

        واختلف في الورثة:

        فقيل: لهم الحق في مراقبته; لئلا يأخذها لنفسه إذا كان وارثا فتكون وصية لوارث.

        وقال أشهب: ليس لهم ذلك إلا في الوصية بالعتق خاصة لحقهم في الولاء.

        وقال الشافعية : للحاكم التدخل بمحاسبته، ومنعه من إعطاء من لا يستحق، وفي حالة اشتراط المشاورة يجب عليه مشاورة من عينه [ ص: 151 ] الموصي لمشاورته، إلا أنه إذا لم يشاوره فإن ذلك لا يضر إذا ثبت تنفيذ الوصية على الصواب; لأن المشرف أو المشاور غير وصي، ولا حق له في رد تصرفات الموصي.

        وفي جميع الحالات يجب على الوصي المحافظة على حقوق الموصى لهم، ولا يحل له التساهل فيها مع الورثة، وإذا اتهمه القاضي بالتقصير في ذلك أشرك معه غيره في تحصيل الوصية وتحصينها فقط، ثم يكل إليه الأمر في توزيعها دون تدخل من حاكم أو وارث.

        واختلف المالكية في تصديقه في صرفها وتفريقها في وجوهها على أقوال:

        الأول: أنه مصدق في ذلك ولا يحاسب، ولا يكلف إقامة بينة على ذلك وحجته: أنه أمين، ولا ضمان على مؤتمن.

        الثاني: أنه لا يصدق، ويلزمه إقامة بينة على صرفها في مصارفها.

        وحجته: ما غلب على الناس من الخيانة فلا يصدق ; لانتفاء الأمانة عن غالب الناس.

        القول الثالث: الفرق بين المأمون فيصدق بيمين، وغيره فلا يصدق إلا ببينة.

        وحجته: ما تقدم من الدليلين السابقين.

        الرابع: أنه يصدق فيما طال زمنه، ولا يصدق فيما قرب إلا ببينة.

        والمعمول به القول الثاني أنه لا يصدق إلا ببينة.

        [ ص: 152 ] واتفق الجميع: على أنه إذا كانت الوصية لمعين، فإنه لا يصدق في دفعها له إلا ببينة.

        واختلف في المحجور إذا أوصى وعين من ينفذ وصيته غير حاجره:

        قيل: الأحق بتنفيذ وصيته هو وصي أبيه الذي يحجره دون وصيه; لأنه محجور عليه ، ممنوع من التصرف في حياته.

        وهو قول بعض المالكية .

        وقيل: الأحق بتنفيذ وصيته هو وصيه الذي عينه دون وصي أبيه ; لانعزاله بموت المحجور.

        وهو قول الشافعية ، وبعض المالكية .

        وإذا أوصى المحجور ولم يعين من ينفذ وصيته ، فإن وصي أبيه هو الذي ينفذها لا ورثته.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية