الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        القسم الرابع: التصرف في الموصى به بما يخرجه عن ملكه:

        اتفق الفقهاء على أن الوصية بجزء شائع لا تبطل بالبيع، ونحوه من التصرفات الناقلة للملك، فإذا أوصى بثلثه فباع جميع ماله، أو استهلكه، أو [ ص: 473 ] أتلفه، ثم استفاد مالا آخر فإن الوصية تتعلق بالمال المستفاد، لتعلق الوصية بعين معين.

        إذا تصرف الموصي في الموصى به بما يخرجه عن ملكه، أو تصرف بما ينبئ عن إعراضه عن الوصية فإن ذلك يعد رجوعا; لأن بخروج الموصى به من ملك الموصي انعدم محل الوصية.

        مثال: أن يبيع الموصى به، أو يهبه، أو يوكل فيه بالبيع، أو الهبة، أو الرهن، أو يعرضه للبيع، أو الهبة، أو الرهن، أو يهلكه، أو يتصرف فيه بأي تصرف آخر يخرجه عن ملكه.

        وفي مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر: « وللموصي أن يرجع في وصيته... قولا... أو فعلا ) وهو ما فسره بقوله: (يقطع... حق المالك في الغصب ) أي: في المغصوب، كقطع الثوب أو خياطته، (أو يزيل ملكه، كالبيع، والهبة » .

        في الجوهرة النيرة: « وأما الفعل الذي يدل على الرجوع، كما إذا أوصى بثوب ثم قطعه وخاطه، أو بغزل فنسجه، أو بدار فبنى فيها، أو بشاة فذبحها، [ ص: 474 ] أو بأمة ثم باعها، أو أعتقها، أو كاتبها، أو دبرها، فهذا كله يكون رجوعا وإبطالا للوصية » .

        وجاء في مختصر خليل في بيان ما يحصل به الرجوع في الوصية: « وبرجوع فيها، وإن بمرض، أو بقول، أو بيع، وعتق، وكتابة، وإيلاد، وحصد زرع، ونسج غزل، وصوغ فضة، وحشو قطن، وذبح شاة، وتفصيل شقة » .

        قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: « (والتصرف في الموصى به بمعاوضة ) كبيع وإن حصل بعده فسخ ولو بخيار المجلس (أو هبة أو رهن ) ، ولو بلا قبض فيهما (أو كتابة أو تدبير ) ، أو تعليق عتق بصفة أو نحوها، (رجوع ) لظهور قصد الصرف عن الموصى له » .

        وقال النووي: « وإن باعه أو وهبه وأقبض أو أعتقه أو كاتبه أو أوصى أن يباع أو يوهب ويقبض أو يعتق أو يكاتب فهو رجوع; لأنه صرفه عن الموصى له، وإن عرضه للبيع أو رهنه في دين أو وهبه ولم يقبضه فهو رجوع; لأن تعريضه لزوال الملك صرف عن الموصى له.

        ومن أصحابنا من قال: إنه ليس برجوع; لأنه لم يزل الملك ، وليس بشيء » .

        قال ابن قدامة في المغني: « ويحصل الرجوع بقوله: رجعت في وصيتي... وإن أكله، أو أطعمه، أو أتلفه، أو وهبه، أو تصدق به، أو باعه، أو كان ثوبا غير مفصل ففصله ولبسه، أو جارية فأحبلها، أو ما أشبه هذا، فهو رجوع » .

        [ ص: 475 ] وفي شرح منتهى الإرادات: « وإن باعه: أي: باع موص موصى به، أو وهبه، أو رهنه، أو أوجبه في بيع، أو هبة بأن قال الإنسان: بعتكه أو وهبتكه ولم يقبل مقول له ذلك فيهما، أي: في إيجاب البيع وإيجاب الهبة فرجوع، أو عرضه لهما، أي: البيع والهبة فرجوع، أو وصى ببيعه أو عتقه، أي: ما وصى به الإنسان من رقيقه بأن قال: أعطوه لزيد، ثم قال: اعتقوه، أو وصى بهبته ، أو حرمه عليه ، أي: على الموصى له به كما وصى لزيد بشيء، ثم قال: هو حرام عليه فرجوع أو كاتبه ، أي: الموصى به » .

        واختلف إذا عاد الموصى به إلى ملك الموصي قبل موته:

        فقال جمهور المالكية : الفرق بين الموصى به المعين وغيره، فقالوا في المعين تعود الوصية برجوعه لملك الموصي; لتعلق الوصية بعينه، ولا تعود إذا أخلفه بمثله.

        بخلاف غير المعين إذا أخلفه بمثله ، فإن الوصية تعود إلى خلفه.

        وقال الشافعية والحنفية وبعض المالكية : لا تعود الوصية برجوعه لملكه إلا بإيصاء جديد; لبطلان الإيصاء الأول بخروجه عن ملكه.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية