الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 325 ] المطلب الثاني أن يكون الموصى به أكثر من الثلث

        وفيه مسألتان: المسألة الأولى: أن يجيز الورثة الوصايا:

        إذا كان الموصى به أكثر من الثلث، وأجاز الورثة الوصايا، فإن ذلك لا يخلو من أمرين:

        الأمر الأول: أن يكون الموصى به أكثر من الثلث، ولم يزد على التركة.

        وذلك: كالوصية لشخص بنصف المال ولآخر بالربع، فهنا تنفذ كل الوصايا ، ويعطى كل واحد من الموصى لهم حقه الذي أوصي له به باتفاق المذاهب الأربعة.

        الأمر الثاني: أن يكون الموصى به أكثر من التركة.

        وذلك: كالوصية لشخص بنصف المال، ولآخر بالثلث، ولثالث بالربع، وكالوصية لشخص بجميع المال، ولآخر بالثلث.

        وقد اختلف الفقهاء -رحمهم الله- في كيفية قسمة المال بينهم على قولين:

        [ ص: 326 ] القول الأول: أن المال يقسم بين الموصى لهم على قدر وصاياهم كالعول.

        وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية ، وقول المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وقول النخعي.

        فإذا كانت الوصية بالنصف والثلث والربع، قسم المال بين الموصى لهم على ثلاثة عشر سهما، للموصى له بالنصف ستة أسهم، وللموصى له بالثلث أربعة أسهم، وللموصى له بالربع ثلاثة أسهم، فالمسألة اثنا عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر.

        القول الثاني: أن المال يقسم بين الموصى لهم بطريق المنازعة.

        وهو قول الإمام أبي حنيفة.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: دليل القول بقسمة المال بين الموصى لهم على قدر وصاياهم كالعول:

        [ ص: 327 ] القياس على الازدحام في الميراث; لأن « السهام في الوصايا كالسهام في المواريث، ثم السهام في المواريث إذا زادت على قدر المال أعيلت الفريضة بالسهم الزائد، فكذلك في الوصية » .

        دليل القول الثاني: دليل القول بقسمة المال بين الموصى لهم بطريق المنازعة:

        أن ما زاد على الثلث يعطى كله للموصى له بجميع المال; لأنه لا ينازعه فيه أحد، وأما قدر الثلث فينازعه فيه الموصى له بالثلث، فاستوت منازعتهما فيه; إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيقسم بينهما نصفين.

        فإذا كانت الوصية بالنصف والثلث والربع، فيكون للموصى له بالنصف خمسة أسهم ونصف، وللموصى له بالثلث ثلاثة أسهم ونصف، وللموصى له بالربع ثلاثة أسهم; لأن المسألة تفرض من اثني عشر لكل واحد من الثلاثة ربعها - وهو ثلاثة - فيكون الجميع تسعة، ويبقى ثلاثة أسهم لصاحب النصف: منها اثنان سدس الاثني عشر، والسهم المتبقي يكون نصفين بين صاحبي النصف والثلث.

        ونوقش من وجهين:

        الوجه الأول: أن ما ذكروه لا نظير له، وما ذهب إليه الجمهور نظيره مسائل العول في الفرائض، والديون على المفلس، مع أن فرض الله تعالى للوارث آكد من فرض الموصي ووصيته ، ثم إن صاحب الفضل في الفرض المفروض لا ينفرد بفضله، فكذا في الوصايا.

        [ ص: 328 ] الوجه الثاني: أن ما ذهب إليه المخالف يؤدي إلى الظلم والحيف; لأنه يدخل النقص على البعض دون البعض; لأنه يدفع إلى صاحب الربع ثلاثة ، وهو جميع حقه، ويدفع إلى صاحب الثلث ثلاثة أسهم ونصف، وحقه أربعة ، ويدفع إلى صاحب النصف خمسة أسهم ونصف، وحقه ستة أسهم » .

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - القول الأول، وهو أن المال يقسم بين الموصى لهم على قدر وصاياهم كالعول; لقوة الدليل الذي استدلوا به، وسلامته من الاعتراض مع ضعف دليل المخالف لمناقشته.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية