الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 443 ] من المواضع التي أجاز فيها العلماء تغيير شرط الموصي إذا كان على جهة عامة:

        فالحنفية في فروع أجازوا للوصي مخالفة نص الوصية من ذلك:

        1 - أجازوا له في الوصية على فقراء بلد بعينه أن يصرفها لفقراء بلد غير الذي سماه الموصي على خلاف بينهم، كالوصية لفقراء مكة، أو للفقراء الحجاج.

        2 - وفي الوصية بالصدقة بمعين على الفقراء أجازوا الصدقة بعين المعين، أو ببيعه والصدقة بثمنه، أو إمساكه والتصدق بقيمته على خلاف بينهم أيضا ، مثل: تصدقوا بهذه البقرة أو هذا الثوب.

        3 - وفي الوصية بالتصدق في عشرة أيام أجازوا التصدق بالجميع في يوم واحد.

        وإذا أوصى بالتصدق على عشرة مساكين، فتصدق بالمبلغ كله على مسكين والعكس.

        4 - وفي الوصية بالصدقة بألف درهم أجازوا التصدق بالحنطة، وإذا كانت بالحنطة أجازوا التصدق بالدراهم بدلها.

        وقد خالف المالكية هذه القاعدة فيما يعرف عندهم بمسائل خلع الثلث حين خيروا الورثة بين تنفيذ الوصية كما هي، أو إعطاء الموصى له ثلث مال الميت، وقد سبق الحديث عنها في مطلب الموصى به.

        القول الثاني: عدم جواز تغيير شرط الموصي، وهو مذهب الشافعية ، والحنابلة .

        وحجة من قال بالجواز:

        (247 ) 1 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق زيد بن رومان، عن [ ص: 444 ] عروة، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة .

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - : « ومعلوم أن الكعبة أفضل وقف على وجه الأرض، ولو كان تغييرها وإبدالها بما وصفه -صلى الله عليه وسلم- واجبا لم يتركه، فعلم أنه كان جائزا، وأنه كان أصلح لولا ما ذكره من حدثان عهد قريش بالإسلام، وهذا فيه تبديل بنائها ببناء آخر، فعلم أنه جائز في الجملة، وتبديل التأليف بتأليف آخر هو أحد أنواع الإبدال » .

        وقال ابن قاضي الجبل: « هذا الحديث دل على مساغ مطلق الإبدال في الأعيان الموقوفات للمصالح الراجحات » .

        وإذا كان هذا في أصل الوقف، ففي وصفه، وهو الشرط فيه من باب أولى، فيجوز تغيير الشرط من أدنى إلى أعلى، وإذا جاز هذا في الوقف وهو أشد نفوذا، فهو في الوصية من باب أولى.

        (288 ) 2 - ما رواه أبو داود قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا حبيب المعلم، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن رجلا قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله، إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: [ ص: 445 ] « صل هاهنا » ، ثم أعاد عليه ، فقال: « صل هاهنا » ثم أعاد عليه، فقال: « شأنك إذن » .

        وجه الدلالة: دل الحديث على جواز إبدال النذر مع لزومه بخير منه ، فكذلك الوصية.

        (249 ) 3 - ما رواه أبو داود: حدثنا محمد بن منصور، حدثنا يعقوب بن [ ص: 446 ] إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن عمارة بن عمر بن حزم، عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- مصدقا ، فمررت برجل، فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض، فقلت له: أد ابنة مخاض، فإنها صدقتك ، فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر، وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل، فإن قبله منك قبلته، وإن رده عليك رددته ، قال: فإني فاعل، فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال له: يا نبي الله ، أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي، وأيم الله ما قام في مالي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي فزعم أن علي فيه ابنة مخاض، وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة ليأخذها فأبى علي، وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلنا منك » ، قال: فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها، قال: فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقبضها ، ودعا له في ماله بالبركة » .

        [ ص: 447 ] وجه الدلالة: دل الحديث على جواز إبدال جنس الواجب في الزكاة ، بخير منه من نوعه، فإذا وجبت بنت مخاض فأدى بنت لبون، أو وجبت بنت لبون فأدى حقه جاز، وإذا ثبت هذا في الزكاة مع وجوبها فالوصية من باب أولى.

        (250 ) 4 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده ، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقال: « لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه » .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية