الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الأمر الخامس: التخفيض من المرتب.

        إذا لم يكن مع الوصية بالمرتب وصية أخرى يجب تنفيذ المرتب المسمى دون زيادة أو نقص، ما دام الموقوف من التركة يفي بذلك.

        فإذا لم يف بذلك لقلة الثلث، أو لمزاحمة الوصايا له في الثلث، فهل يحتفظ بالمرتب كما هو، ولو أدى ذلك إلى نفاد المال قبل انتهاء مدة الوصية، أو يخفض منه بمقدار النقص الطارئ ليستمر المرتب طيلة المدة المحددة.

        أقوال عند المالكية :

        الأول: وجوب المحافظة على مبلغ المرتب كما أوصى به الموصي، ولو أدى ذلك لنفاد المال الموقوف قبل انتهاء مدة الوصية.

        [ ص: 213 ] وهذا قول مالك.

        وحجته: 1 - أن الموصي قصد التوسعة على الموصى له، فلا يضيق عليه بضيق المال.

        2 - أنه نص الموصي ولفظه، فلا يجوز تغييره وتبديله.

        القول الثاني: وجوب تخفيض المرتب بقدر التخفيض الذي طرأ على الوصايا ، فإذا انتقص النصف خفض المرتب بمقدار النصف، وإذا انتقص الثلث انتقص المرتب إلى الثلثين، وهكذا.

        وهذا قول ابن كنانة.

        وحجته: تعلق حق الورثة أو أرباب الوصايا الأخرى; لاحتمال وفاته قبل تمام المدة، فيعود الباقي إليهم بخلاف ما لو بقي المرتب كاملا، فقد يستهلك المال الموقوف قبل تمام المدة، وقبل وفاته، فيتضررون بالنقص من حقهم دونه.

        ونوقش: أنه يرد عليه أنه تبديل للوصية، وتغيير لها، وإضرار بالموصى له بالنقص من راتبه المسمى له.

        القول الثالث: التفصيل: فإن كان الحامل له على التقسيط خوف تبذيره إذا سلم له، فإنه يقسط له كاملا غير منقوص ; لأن الموصي قصد التوسعة عليه، ولم يمنعه من إعطائه المال دفعة واحدة إلا خوف تبذيره، وإن كان قصد الرفق بالورثة ليخرجوا المرتب من غلة الرقاب، ولا يبيعونها عجل له الجميع، وإن أشكل لم يعجل وحمل على الظاهر.

        [ ص: 214 ] وبه قال بعض المالكية .

        القول الرابع: أنه يعجل له الجميع، فإذا أوصى بعشرين درهما لشخص، وبعشرة للآخر، ولأخيه بدرهم كل شهر، وكان جميع ما يحتاجه مدة التعمير ثلاثين، والتركة كلها مئة وعشرون، فإن الثلث هنا أربعون، وهو لا يسع جميع الوصايا، فيقسم على الوصايا الثلاث بحسب الحصص، للموصى له بالنفقة عشرون، وللموصى له بالعشرة ستة وثلثان، وللموصى له بالعشرين ثلاثة عشر وثلث، فقد انتقص لكل واحد ثلث وصيته.

        وبه قال أصبغ.

        فعلي قول مالك: ينفق على الموصى له بالنفقة درهم كل يوم مراعاة للفظ الموصي وقصده، أما لفظه فقد أوصى له بدرهم كل يوم، وأما قصده ، فإن قصد الموصي التوسعة على الموصى له، ولذلك أوصى له بدرهم كل يوم; لأنه كان يظن كفايته، فلا ينقص له منه.

        وعلى القول الثاني: ينفق عليه ثلثا درهم فقط مراعاة للنقص الذي طرأ على نصيبه في الثلث.

        وعلى قول أصبغ تعجل له العشرون التي نابته في المحاصة على أنها مال من ماله يتصرف فيها كيف يشاء.

        وعلى القول الثالث: ينظر لقصد الموصي، فإن كان قصده الرفق بالورثة، فإنها تعجل للموصى له، وإن كان قصده الرفق بالموصى له، والمحافظة على ماله بتقسيط الوصية له، لئلا يبذرها إذا تسلمها جملة، فإنها تقسط له، ولا ينقص له من المرتب المسمى له حتى ينفذ المال الموقوف.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية