الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        واختلفوا في أقل عدد يجب توزيعها عليهم على أقوال:

        القول الأول: أنه يجوز دفعها لواحد.

        وبه قال الحنفية ، وهو مقتضى قول المالكية حيث جعلوا الأمر موكولا إلى اجتهاد الموصى إليه، وبه قال الحنابلة .

        وحجته:

        (224 ) 1 - ما رواه مسلم من طريق حماد بن زيد، عن هارون بن رياب، حدثني كنانة بن نعيم العدوي، عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأسأله فيها، فقال: « أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها » .

        وجه الدلالة: دل الحديث على جواز الاقتصار على واحد; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دفع الصدقة إلى نفس واحدة، والوصية ملحقة بالصدقة.

        2 - أن مقصود الموصي عدم مجاوزة الجنس، وذلك حاصل بالدفع إلى واحد.

        3 - أن امتثال الفعل يصدق بأدناه.

        [ ص: 236 ] 4 - أن التعريف في الفقراء للجنس، فإذا دفعها لواحد فقد دفعها لجنس الفقراء.

        5 - ما تقدم من عدم إيجاب استيعابهم.

        القول الثاني: أنه لا بد في الدفع من اثنين فصاعدا.

        وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية .

        وحجته: أن الفقراء اسم جمع، وأقل الجمع ثلاثة، ومراعاة معنى الجمع واجبة ما أمكن إلا أن الاثنين في باب الوصية يقومان مقام الثلاثة كالميراث، والجمع في باب الميراث يتناول اثنين فصاعدا، فكذلك في الوصية.

        ونوقش هذا الاستدلال:

        قال الكاساني: « وقد خرج الجواب عما ذكره محمد - رحمه الله - على أن مراعاة معنى الجمع إنما تجب عند الإمكان، فأما عند التعذر فلا ، بل يحمل اللفظ على مطلق الجنس كما في قوله: والله لا أتزوج النساء، وقوله: إن كلمت بني آدم، أو إن اشتريت العبيد أنه يحمل على الجنس، ولا يراعى فيه معنى الجمع حتى يحنث بوجود الفعل منه في واحد من الجنس، وهاهنا لا يمكن اعتبار معنى الجمع; لأن ذلك مما لا غاية له، ولا نهاية، فيحمل على الجنس » .

        ونص الحنابلة : إلى أن الأفضل التعميم ما أمكن، ويدفع إليهم بقدر الحاجة، ويبدأ بأقارب الموصي.

        [ ص: 237 ] في كشاف القناع: « (ويكفي من كل صنف ) شخص (واحد) ; لتعذر الاستيعاب بخلاف الوصية لثلاثة عينوا حيث تجب التسوية لإضافة الاستحقاق إلى أعيانهم (ويستحب إعطاء من أمكن منهم) والدفع على قدر الحاجة (وتقديم أقارب الموصي ) ; لما فيه من الصلة » .

        القول الثالث: أن أقل ما يجزي ثلاثة، فإن دفعها لأقل دفعها ضمن ما نقص، وإن أعطاها لواحد ضمن حق اثنين، ويضمن أقل ما يصدق عليه أنه مال; لأنه أقل ما يجزي دفعه لكل واحد، ويستحب التعميم ما أمكن، ويتأكد تفضيل الأشد حاجة وعيالا، والأولى: تقديم أرحام الموصي، ومحارمه، ثم محارمه رضاعا، ثم جيرانه ثم معارفه.

        وبه قال الشافعية .

        وحجته: 1 - أن أقل الجمع ثلاثة.

        2 - أن التعريف في الفقراء للعموم.

        ونوقش: بما نوقش به دليل القول الثاني.

        والأقرب: ما ذهب إليه أهل القول الأول ; لما استدلوا به، ومناقشة دليل القولين الآخرين.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية