الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 538 ] المبحث الثاني والعشرون

        المبطل الثاني والعشرون: قتل الموصى له للموصي

        تحرير محل النزاع:

        لا خلاف بين الفقهاء: 1 - في صحة الوصية إذا كان القتل بحق، كقصاص وحد.

        2 - ولا خلاف في صحتها إذا كان القتل لعذر الدفاع عن النفس، أو المال، أو العرض، أو الدين في حدود الدفاع المشروع.

        وقد اختلف الفقهاء في الوصية للقاتل فيما عدا ذلك.

        وسبب الخلاف: عدم وجود نص صحيح صريح في الموضوع، فلم يوجد إلا عمومات متعارضة، وأقيسة متباينة.

        القول الأول: التفصيل بين أنواع القتل، وأحوال القاتل، فأجازوه مطلقا فيما يلي:

        1 - إذا كان القاتل غير مكلف تقدمت الوصية، أو تأخرت.

        2 - إذا كان القتل خطأ تقدم أو تأخر كذلك.

        وفيما عدا هذه الحالات، وهي إذا كان القاتل مكلفا، والقتل عمدا [ ص: 539 ] عدوانا بغير حق ولا عذر، فإن هنا تفصيلا بين القتل المتأخر عن الوصية والقتل المتقدم عليها:

        ففي الحال الأولى: إذا أوصى له فقتله، فإنها تبطل اتفاقا، إذا مات المقتول مكانه، أو عاش بعض الوقت ولم يعلم بقاتله.

        وأما إن علم بقاتله، وأنه هو فلان الموصى له، ولم يغير وصيته، فإن الوصية تصح في هذه الحالة على المعتمد.

        وقيل: تبطل.

        وفي الحال الثانية: إذا ضربه أو جرحه، ثم أوصى له، فإن الوصية تصح اتفاقا إذا علم أن الذي حاول قتله هو فلان، ومع ذلك أوصى له، فإن لم يعلم بأنه حاول قتله، وأوصى لشخص يظنه بريئا من دمه فإذا هو قاتله في الواقع، فإن الوصية لا تصح له على الأظهر ، وقيل: بصحتها.

        وهذا قول المالكية .

        وعند الحنابلة : الفرق بين أن يوصى له بعد الجرح: فيصح، وقبله: لا يصح.

        ونص بعض الحنابلة : كل قتل مضمون بقصاص، أو دية، أو كفارة: يمنع القاتل ميراث المقتول، سواء كان عمدا أو خطأ، بمباشرة أو سبب، وسواء انفرد بقتله أو شارك يمنعه الوصية.

        القول الثاني: بطلان الوصية للقاتل مطلقا، سواء كان القتل عمدا أو خطأ، قبل الوصية أو طرأ عليها، انفرد القاتل بالقتل، أو شاركه غيره، ولو كثروا، بشرط أن يكون القتل مباشرة، والقاتل مكلفا.

        [ ص: 540 ] وأجازوها إذا كان القاتل صبيا، أو مجنونا، أو كان القتل تسببا، أو كان بحق، أو في حالة الدفاع المشروع.

        وهو مذهب الحنفية .

        القول الثالث: صحة الوصية للقاتل مطلقا، تقدم القتل، أو تأخر عن الوصية، وسواء كان القتل عمدا عدوانا أم لا، وسواء كان القتل مباشرة أم تسببا، وسواء كان القاتل مطلقا أم لا.

        وهو الأظهر عند الشافعية ، ووجه عند الحنابلة ، اختاره ابن حامد.

        القول الرابع: بطلان الوصية بقتل الموصي من طرف الموصى له مطلقا ولو كان القاتل صغيرا، أو مكرها، وسواء كان القتل عمدا، أو خطأ، أو مشروعا لقصاص ونحوه، أو كان لعذر لدفاع عن النفس، أو المال، أو العرض، وسواء كان مباشرة أو تسببا، ولو كان حاكما حكم على شخص بقتل، أو شاهدا شهد عليه بما يوجب القتل، أو زكى من شهد بوجوبه.

        وهو قول عند الشافعية ، وقول عند الحنابلة .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية