الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثالث

        شرط الوصية بالمنافع

        يشترط في المنافع الموصى بها خروجها من ثلث المال، فإن لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث، إذا لم تجز الورثة.

        وذلك لأنها وصية صحيحة، فوجب تنفيذها على صفتها، إن خرجت من الثلث، أو بقدر ما يخرج من الثلث منها، كسائر الوصايا بالأعيان.

        [ ص: 96 ] لكن اختلف العلماء في المعتبر خروجه من الثلث: هل هو العين الموصى بمنفعتها، أو المنفعة فقط ؟ على قولين:

        القول الأول: أن المعتبر في ذلك قيمة العين الموصى بمنفعتها مطلقا ، فإذا كانت الوصية بسكنى الدار اعتبرت قيمة الدار.

        وهذا قول الحنفية ، والمالكية ، وبه قال الحنابلة على الصحيح.

        وحجته:

        1 - أن تمليك المنافع دون العين يجعل العين لا قيمة لها في نظر الناس غالبا.

        2 - أن تقدير المنافع وحدها متعذر.

        القول الثاني: الفرق بين الوصية بمنفعة مؤبدة، أو مجهولة المدة ، فتعتبر قيمة العين الموصى بمنفعتها، وبين الوصية لمدة معلومة، فتعتبر قيمة المنفعة، وذلك بأن تقوم العين بمنفعتها، ثم تقوم بدون منفعتها مدة الوصية، والفرق بين القيمتين هو الموصى به.

        فإذا كانت الوصية بسكنى الدار مدة عشر سنين، قومت الدار بمنفعتها غير مشغولة، ثم تقوم وهي مشغولة بالوصية مدة عشر سنين، فإذا كانت قيمتها بمنفعتها مئة، وقيمتها بدون منفعة مدة الوصية تسعين، تكون الوصية بعشرة إذا حملها الثلث، وإن حمل نصفها لزمت الوصية بنصف المنفعة.

        وحجته: أن الموصى به المنفعة.

        وبه قال الشافعية ، وبعض الحنابلة .

        [ ص: 97 ] والأقرب: القول الأول; لقوة دليله.

        أما إذا زادت الوصية على الثلث لم تلزم بالاتفاق.

        واختلف العلماء في الواجب في ذلك على قولين:

        القول الأول: أن الوصية تلزم فيما حمله الثلث، ويخير الورثة بالزائد، فإذا أوصى بسكنى داره فلم يحمل الثلث إلا نصفها، كان للموصى له نصف المنفعة، وإن حمل ثلثها كان له ثلث المنفعة وهكذا.

        وهو قول الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة .

        وحجته: ما تقدم من الأدلة على اعتبار الثلث.

        القول الثاني: أن الوصية إن كانت لمعين كزيد، فإن الورثة يخيرون، إما أن يعطوا الوصية كما هي، وإما أن يعطوا الموصى له من كل نوع من التركة ثلثه، وإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء، فإن الورثة يخيرون، إما أن يجيزوا الوصية، أو يعطوا الموصى لهم ثلث الميت في العين الموصى بمنفعتها، فإذا كانت الوصية للفقراء بسكنى الدار فالورثة بالخيار، إما أن يعطوهم السكنى، وإما أن يعطوهم من الدار ما يساوي ثلث الميت.

        وهو قول الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة .

        وحجته: أنه إن كانت الوصية بالمنفعة لمعين، فإنه يرجى رجوع العين للورثة إذا هلك الموصى له، بخلاف الوصية لغير معين، فإنه لا يرجى رجوع العين للورثة، فالوصية بها بمنزلة الوصية بالعين نفسها.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية