الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        القسم الثالث: المعين الذي لا يحمله الثلث، فبالاتفاق على أنه لا حق للورثة في الاحتفاظ به، وإعطاء الموصى له المعين الثلث، كما أنه لا حق للموصى له في أن يقول أنا آخذه كله، وأعطي الورثة الزائد على الثلث; لأنه [ ص: 184 ] مشترك بين الورثة والموصى له، ولا حق لأحد من الشركاء في جبر شريكه على بيع حظه له ; لقوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم .

        ولكن هناك خلاف فيما يستحقه الموصى له من المعين: القول الأول: يعطى الموصى له ثلث المعين، ويكون شريكا بباقيه في بقية التركة حتى يستوفي تمام الثلث، أو يعطى ما يحمله الثلث.

        وبه قال أبو حنيفة، والشافعي.

        القول الثاني: إذا شاء الورثة أمضوا الوصية كما هي، وإن شاءوا أعطوا الموصى له ثلث الميت في المعين.

        فإذا كان لشخص دار وأرض تساوي كل واحدة منهما ثلاثة آلاف، فأوصى بداره وترك الأرض لورثته، فإن الورثة يخيرون في إجازة الوصية، ويعطوا الموصى له الدار كلها، وإما أن يعطوه ثلث الميت ويأخذه في الدار فيعطى ثلثيها.

        وهو الراجح عند المالكية .

        وعند الحنابلة : يعطى الموصى له ثلث الميت يأخذه في المعين، ولا يخير الورثة.

        الأدلة:

        دليل القول الأول:

        1 - أن الوصية تلزم بالموت والقبول إجماعا ، وبذلك يستحق الموصى له وصيته.

        [ ص: 185 ] 2 - أن تخيير الورثة يلزم منه إجبار الموصى له على المعاوضة بغير رضاه.

        3 - أنه يلزم منه المعاوضة بمجهول; لأن الانتقال من المعين الموصى به إلى الثلث الشائع معاوضة عن المعين بشائع مجهول.

        4 - وأيضا تغيير الوصية وتبديلها من الوصية بمعين إلى الوصية بثلث شائع.

        5 - ظلم الموصى له بإعطائه غير ما وصي له به من المعين.

        6 - الوقوع في الربا في بعض الحالات، كما لو أوصى له بمئة دينار معينة، فإنه يستحق ثلثها، فإذا أخذه وأخذ معه أكثر منها صار ربا.

        7 - ظلم الورثة بتخييرهم بين إمضاء الوصية، والتنازل عن جميع الثلث.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن ما ألزموه لازم لهم; لأنهم لا يقولون بإعطاء الموصى له جميع الثلث في المعين، بل يعطونه ثلث المعين، ويجعلونه شريكا بقية الثلث في جميع باقي التركة.

        فجعلوا بعض حقه في غير المعين الموصى له به، وفي ذلك إجبار للموصى له على المعاوضة بغير رضاه، والمعاوضة بالمجهول، وتغيير الوصية، وظلم الموصى له بإعطائه غير ما وصي له به، والوقوع في الربا.

        ودليل المالكية على التخيير: 1 - أن الأصل في الوصية أن تكون في الشياع، وليس للموصي التعيين [ ص: 186 ] إلا بإذن الورثة فعدوله من الشياع إلى التعيين اعتداء على حقوقهم في أعيان التركة، فيخير الورثة في قبول ذلك أو رده، بمنزلة جناية العبد على مال الغير، فإن السيد يخير في إسلامه أو فدائه بأرش الجناية.

        ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم; فالوصية كما تصح في المشاع تصح في المعين، ولا دليل على التفريق.

        2 - حجتهم على جعل الثلث بكامله في المعين أمران:

        أ - أن الاعتداء وقع في مجاوزة الثلث فيبطل الزائد عليه خاصة.

        ب - أن المعين إذا هلك كان ضمانه من الموصى له إجماعا، فدل ذلك على تعلق حق الموصى له بالمعين، واختصاصه به ، فيعطى وصيته كلها فيه وهو ما يحمله الثلث منه.

        3 - وحجتهم على أنه يجمع له ثلثه في المعين: أن الموصى به إذا هلك كان هلاكه من ضمان الموصى له، فدل على اختصاص وصيته به ، فإذا زاد على الثلث ; فإنه يبطل الزائد على الثلث.

        والقول الأول: أقرب; لقوة دليله.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية