الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب العاشر

        شهادة الموصى له بالوصية له ولغيره، وشهادة الشهود بعضهم لبعض بالوصية

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: الوصية المكتوبة:

        ويقصد بها أن الموصي كتب وصيته في وثيقة ذكر فيها ما أوصى به لكل واحد من الموصى لهم، أو أشركهم فيها، وأشهد على وصيته أحد الموصى لهم أو اثنين من الموصى لهم، فالشاهد على الوصية، أو الشاهدان من جملة الموصى لهم.

        وقد اختلف الفقهاء في قبول هذه الشهادة وردها:

        أولا: إذا كان نصيب الشاهد لا يتجاوز ثلث الوصية، فهناك أربعة أقوال:

        [ ص: 415 ] الأول: أنها شهادة مردودة، ولا تثبت بها وصية.

        وهو رواية عن مالك.

        وحجته: اتهام الشاهد بجر النفع لنفسه، وشهادة المتهم لا تجوز، وإذا بطلت في حق نفسه بطلت في حق غيره; لأن الشهادة إذا رد بعضها للتهمة رد باقيها، وبطلت كلها.

        القول الثاني: أن الشهادة جائزة للشاهد وغيره، ثم إن كان الشاهد وحده يشهد بالوصية حلف معه الموصى لهم، واستحقوا الوصية، ويأخذ الشاهد حقه في الوصية بشهادته ، ويمين شركائه ، ولا يمين عليه.

        أما إذا كان مع هذا الشاهد شاهد آخر يشهد معه بالوصية، فإن كان هذا الثاني لا حق له في الوصية، فإن الموصى لهم يستحقون الوصية بدون يمين; لقيام شاهدين بالوصية، ويدخل معهم الشاهد الموصى له، فيأخذ حقه بدون يمين، وإن كان الشاهد الثاني له نصيب تافه أيضا، فإن الوصية تثبت بشهادتهما معا، ويستحق الموصى لهم وصاياهم، ويأخذ الشاهدان نصيبهما في الوصية بلا يمين أيضا تبعا لغيرهم من الموصى لهم.

        وهو رواية مطرف عن مالك، وقول لابن القاسم.

        وحجته: بأن الشاهد في حيز التبع، لجملة الوصية لتفاهة نصيبه في الوصية.

        ونوقش من وجهين:

        الأول: أنه قد يكون نصيبه في وصية ثلثها، وقد تكون الوصية بالثلث، فيكون له ثلث الثلث، وهو كثير.

        [ ص: 416 ] الثاني: استحقاقه نصيبه بشهادته، والمرء لا يشهد لنفسه، وأخذه له بدون يمين بل بمجرد الدعوى دون شاهد يشهد له، ودون يمين منه.

        القول الثالث: أن شهادته لنفسه باطلة لا تجوز، وشهادته لغيره جائزة، فإن كان وحده حلف الموصى لهم مع شهادته، واستحقوا وصاياهم وحدهم، ولا شيء للشاهد الموصى له مما سماه له الموصي.

        وإن كان مع هذا الشاهد شاهد آخر له نصيب يسير في الوصية تثبت الوصية بشهادتهما معا، ويستحق الموصى لهم وصاياهم بدون يمين وحلف الشاهدان واستحقا وصيتهما ; لأن كل واحد منهما يشهد للآخر، فيحلف مع شاهده ويستحق بناء على قبول شهادة الشهود بعضهم لبعض، وهو أحد قولين كما يأتي، وإن كان معه شاهد لا شيء له في الوصية المشهود بها، فإن الموصى لهم يأخذون وصاياهم بدون يمين; لقيام شاهدين لهم بالوصية، ويحلف الشاهد الموصى له مع شهادة صاحبه، ويستحق وصيته.

        وهو قول ابن الماجشون.

        القول الرابع: أن الشهادة جائزة له ولغيره إذا كان معه شاهد آخر، فتثبت الوصية بشهادتهما، ويأخذ حقه بدون يمين، وكذلك صاحبه إذا كان له فيها نصيب يأخذه بدون يمين أيضا.

        وإن لم يكن معه شاهد آخر جازت شهادته لغيره، فيحلف ويستحق وصيته ، ولا شيء للشاهد; لرد شهادته في حق نصيبه.

        بناء على أن الشهادة إذا رد بعضها للتهمة جاز ما لا تهمة فيه.

        وهو قول يحيى بن سعيد.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية