الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 35 ] المبحث الثاني

        الشرط الثاني: أن يكون الموصى به مالا شرعا

        وفيه مطلبان:

        المطلب الأول

        الوصية بالمال المحرم

        المال الحرام: كل ما حرم الشارع كسبه، أو الانتفاع به.

        [ ص: 36 ] وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: أن يكون محرما لعينه:

        وهو ما حرم الشارع الانتفاع به لخاصية في ذاته من ضرر، أو خبث، أو قذارة، كالخمر، والخنزير، والكلب العقور، والسباع التي لا تصلح للصيد، والميتة، والدم.

        فأكثر الفقهاء على تحريم الوصية به; لأنه ليس مالا شرعا; لقوله تعالي: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به .

        (198 ) ولما رواه مسلم من طريق علقمة بن وائل، عن أبيه وائل الحضرمي -رضي الله عنه- ، أن طارق بن سويد الجعفي -رضي الله عنه- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر، فنهاه - أو كره - أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: « إنه ليس بدواء، ولكنه داء » .

        وذهب الشافعية : إلى أنه تجوز الوصية بما ينتفع به من النجاسات، كجلد الميتة القابل للدبغ، وميتة تصلح طعما للجوارح، وزبل ينتفع به ، كسماد.

        وذهب الحنابلة : إلى أنه تصح الوصية بما فيه نفع مباح من غير المال، ككلب الصيد ونحوه، وكزيت متنجس لغير مسجد.

        في كشاف القناع: (واختار جمع وكلب ) أي: تصح هبته جزم به في المغني والكافي (ونجاسة مباح نفعهما ) أي: الكلب والنجاسة جزم به [ ص: 37 ] الحارثي والشارح; لأنه تبرع أشبه الوصية به.

        قال في القاعدة السابعة والثمانين: وليس بين القاضي وصاحب المغني خلاف في الحقيقة; لأن نقل اليد في هذه الأعيان جائز كالوصية، وقد صرح به القاضي في خلافه.

        وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يجوز الانتفاع بالنجاسات، كما جاء في الاختيارات: « ويجوز الانتفاع بالنجاسات، وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي، وأومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور » ففيه جواز الوصية به، ويدل لهذا:

        (199 ) ما رواه البخاري ومسلم من طريق عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله بما أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح - وهو بمكة - : إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ؟ فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه .

        في الحديث جواز الانتفاع بالنجاسات، وإذا ثبت هذا جاز الوصية بها.

        والخلاصة: أن الوصية بالمحرم لعينه لا تخلو من حالتين:

        الحالة الأولى: الوصية به لما يتضمنه من منافع مباحة، فجائز.

        الحالة الثانية: الوصية به لما يتضمنه من منافع محرمة ، فلا يجوز.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية