الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2621 - "إنه ليغان على قلبي؛ وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" ؛ (حم م د ن)؛ عن الأغر المزني ؛ (صح) .

التالي السابق


(إنه ليغان) ؛ بغين معجمة؛ من "الغين"؛ وهو الغطاء؛ (على قلبي) ؛ الجار والمجرور نائب عن الفاعل لـ "يغان"؛ أي: ليغشى على قلبي؛ وقال الطيبي : اسم "إن"؛ ضمير الشأن؛ والجملة بعده خبر له؛ أو مفسرة؛ والفعل مسند إلى الظرف؛ ومحله الرفع بالفاعلية؛ (وإني لأستغفر الله) ؛ أي: أطلب منه الغفر؛ أي: الستر ؛ (في اليوم) ؛ الواحد من الأيام؛ ولم يرد يوما معينا؛ (مائة مرة) ؛ قال العارف الشاذلي : هذا غين أنوار؛ لا غين أغيار؛ لأنه كان دائم الترقي؛ فكلما توالت أنوار المعارف على قلبه؛ ارتقى إلى رتبة أعلى منها؛ فيعد ما قبلها كالذنب؛ أهـ؛ أي: فليس ذلك الغين غين حجاب ولا غفلة؛ كما وهم؛ وإنما كان تستغرقه أنوار التجليات؛ فيغيب بذلك الحضور؛ ثم يسأل الله المغفرة؛ أي: ستر ما له عليه؛ لأن الخواص لو دام لهم التجلي؛ لتلاشوا عند سلطان الحقيقة؛ فالستر لهم رحمة؛ وللعامة حجاب ونقمة؛ ومن كلمات السهروردي : لا ينبغي أن يعتقد أن الغين نقص في حال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ بل كمال؛ أو تتمة كمال؛ وهذا السر دقيق؛ لا ينكشف إلا بمثال؛ وهو أن الجفن المسبل على حدقة البصر؛ وإن كانت صورته صورة نقصان؛ من حيث هو إسبال وتغطية على ما يقع به؛ أن يكون ناويا؛ فإن القصد من خلق العين إدراك الحسيات؛ وذلك لا يمكن إلا بانبعاث الأشعة الحسية من داخل العين؛ واتصالها بالمرئيات عند قوم؛ وبانطباع صور المدركات في الكرة الجليدة عند آخرين؛ فكيفما ما كان؛ لا يتم المقصود إلا بانكشاف العين؛ وعرائها عما يمنع انبعاث الأشعة عنها؛ لكن لما كان الهوى المحيط بالأبدان الحيوانية قلما يخلو من الغبار الثائر؛ تحركه الرياح؛ فلو كانت الحدقة دائمة الانكشاف؛ تأذت به؛ فتغطت بالجفون؛ وقاية لها؛ ومصقلة للحدقة؛ فيدوم جلاؤها؛ فالجفن؛ وإن كان نقصا ظاهرا؛ فهو كمال حقيقة؛ فلهذا لم تزل بصيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - متعرضة لأن تصدأ بالغبار الثائر من أنفاس الأغيار؛ فدعت الحاجة إلى إسبال جفن من العين على حدقة بصيرته؛ سترا لها؛ ووقاية؛ وصقالا عن تلك الأغيرة المثارة برؤية الأغيار؛ وأنفاسها؛ فصح أن الغين؛ وإن كان نقصا؛ فمعناه كمال؛ وصقال حقيقة؛ انتهى؛ وهنا تأويلات بعيدة؛ وتوجيهات غير سديدة؛ وحسبك بهذا؛ وأراد بالمائة التكثير؛ فلا تدافع بينه وبين رواية السبعين الآتية؛ وقال الحرالي : خص المائة لكمالها في العدد المثلث من الآحاد والعشرات؛ وعشرها وتر الشفع؛ لأن ما تم في الثالث كان ما زاد عليه تكرارا له؛ يجزئ عنه الثلاث.

(حم م) ؛ في الدعوات؛ (د هـ) ؛ في الصلاة؛ (ن) ؛ في يوم وليلة؛ (عن الأغر ) ؛ بفتح الهمزة؛ والمعجمة؛ ابن عبد الله؛ (المزني ) ؛ بضم الميم؛ وفتح الزاي؛ وقيل: الجهني ؛ ومنهم من قرن بينهما؛ قال البخاري : المزني أصح صحابي يروي عن معاوية بن قرة .




الخدمات العلمية