الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3381 - "تواضعوا لمن تعلمون منه؛ وتواضعوا لمن تعلمونه؛ ولا تكونوا جبابرة العلماء" ؛ (خط)؛ في الجامع؛ عن أبي هريرة ؛ (ض) .

التالي السابق


( تواضعوا لمن تعلمون منه) ؛ العلم ؛ أو غيره؛ قال الماوردي : اعلم أن للمتعلم في زمن تعلمه ملقا؛ وتذللا؛ إن استعملهما؛ غنم؛ وإن تركهما؛ حرم؛ لأن التملق للعالم يظهر مكنون علمه؛ والتذلل له سبب لإدامة صبره؛ وبإظهار مكنونه تكون الفائدة؛ وباستدامة صبره يكون الإكثار؛ قال الحكماء: من لم يحتمل ذل العلم ساعة؛ بقي في ذل الجهل أبدا؛ وقالوا: إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب؛ قعدت وأنت كبير حيث لا تحب؛ قال:


إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه
واصبر لجهلك إن جفوت معلما

ولا يمنعه من ذلك علو منزلته؛ وإن كان العالم خاملا؛ فإن العلماء بعلمهم استحقوا التعظيم؛ لا بالشهرة؛ والمال؛ وربما وجد الطالب قوة في نفسه لجودة ذكائه؛ وحدة خاطره؛ فترفع على معلمه؛ ورماه بالإعنات والاعتراض؛ فيكون كمن جاء فيه المثل السائر:


أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني



وهذا من مصائب العلماء؛ وانعكاس حظوظهم؛ أن يصيروا عند من علموه مستجهلين؛ ولدى من قدموه مرذولين؛ وقد رجح كثير حق الشيخ؛ على حق الوالد.

(تنبيه) :

قال العارف ابن عربي : حرمة الحق في حرمة الشيخ؛ وعقوقه في [ ص: 274 ] عقوقه؛ والمشايخ حجاب الحق؛ الحافظون أحوال القلوب؛ فمن صحب شيخا ممن يقتدى به؛ ولم يحترمه؛ فعقوبته فقدان وجود الحق في قلبه؛ والغفلة عن الله؛ وسوء الأدب عليه؛ بأن يدخل عليه في كلامه؛ ويزاحمه في رتبته؛ فإن وجود الحق إنما هو للأدباء؛ ولا حرمان أعظم على المريد من عدم احترام الشيخ؛ ومن قعد معهم في مجالسهم؛ وخالفهم فيما يتحققون به من أحوالهم؛ نزع الله نور الإيمان من قلبه؛ فالجلوس معهم خطر؛ وجليسهم على خطر.

(تنبيه آخر) :

قال الغزالي : إن قيل: هل يحصل العلم الذي تعلمه - فرض ينظر - الإنسان من غير معلم؟ فاعلم أن الأستاذ فاتح ومسهل؛ والتحصيل معه أسهل؛ وأروح؛ والله (تعالى) بفضله يمن على من يشاء من عباده؛ فيكون هو معلمهم؛ (وتواضعوا لمن تعلمون) ؛ بخفض الجناح والملاطفة؛ (ولا تكونوا جبابرة العلماء) ؛ تمامه كما في مسند الفردوس: "فيغلب جهلكم علمكم" ؛ انتهى؛ قال (تعالى): واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ؛ وإذا شرع التواضع لمطلق الناس؛ فكيف بمن له حق الصحبة؛ وحرمة التودد؛ وصدق المحبة؛ وشرف الطلب؛ وهم أولاده؟ وينبغي أن يخاطب كلا منهم - سيما الفاضل - بكنية ونحوها من أحب الأسماء إليه؛ وما فيه تعظيمه وتوقيره وتبجيله.

(تنبيه) :

لما أراد الخليفة الرشيد أن يقرأ على مالك الموطأ؛ قعد بجانبه؛ وأمر وزيره أن يقرأ؛ فقال له مالك : يا أمير المؤمنين؛ هذا العلم لا يؤخذ إلا بالتواضع؛ وقد جاء في الخبر: "تواضعوا لمن تعلمون منه"؛ فقام الخليفة؛ وجلس بين يديه؛ مع أن الخليفة في الفضل بحيث يعلم موضعه؛ ولأجل ما عنده من فضيلة العلم انقاد إلى الأدب والتواضع؛ ولم يزده ذلك إلا رفعة وهيبة؛ بل ارتفع قدره بذلك؛ حتى أثني به عليه على مر الزمان.

(غريبة) :

روي أن شيخ الشيخ خليل المالكي ؛ صاحب المختصر المشهور؛ احتاج إلى إزاحة كنيف فراح يطلب السراباتي؛ فجاء شيخ خليل في غيبته؛ فتجرد؛ ونزل الكنيف يعمل فيه؛ فجاء الشيخ؛ فوجده يعمل؛ فرفع يده؛ وابتهل في صلاح باطنه؛ وشيوع علمه؛ جزاء لما صنعه؛ فأنجب حالا؛ فسارت به الركبان إلى الآن؛ وفي نشر الروض لليافعي - رحمه الله (تعالى) – أن أبا الغيث بن جميل أمره شيخه ابن مفلح - رضي الله عنه - بخدمة نسائه؛ وعادتهم لا يخدمهن إلا من انتهى في السلوك؛ لأن رضاهن لا يحمله إلا من له سعة باطن؛ فكان إذا فرغ من خدمتهن يجد فقيرا يعطيه رغيفا وحلوى؛ فسأله ابن مفلح - رضي الله (تعالى) عنه - يوما: ما هذا؟ فأخبره فقال: إنه الخضر - عليه السلام -؛ فإن كان شيخك؛ فرح إليه؛ وإن كنت شيخك؛ فلا تأخذ منه؛ فجاءه؛ فأعطاه؛ فرده؛ فقال له الخضر - عليه السلام -: تفلح يا أبا الغيث بامتثال أمر شيخك؛ وقال أبو يوسف؛ صاحب أبي حنيفة - رضي الله عنهما -: ما جلست مجلسا قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم؛ وما جلست قط مجلسا أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح.

(خط؛ في الجامع؛ عن أبي هريرة ) ؛ - رضي الله (تعالى) عنه - قال الذهبي : رفعه لا يصح؛ وروي من قول عمر ؛ هو الصحيح؛ انتهى.




الخدمات العلمية