الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3368 - "تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه" ؛ (قط)؛ عن أنس ؛ (ح) .

التالي السابق


( تنزهوا من البول ) ؛ أي: تباعدوا عنه؛ واستبرئوا منه؛ و"النزاهة": البعد عن السوء؛ فـ "من"؛ بمعنى "عن"؛ وفي الزاهد: أصل "التنزه"؛ في كلامهم: البعد مما فيه الأدناس؛ والقرب مما فيه الطهارة؛ (فإن عامة عذاب القبر منه) ؛ أي: من ترك التنزه عنه؛ يعني: إنكم وإن خفف عنكم في شرعنا؛ ورفعت عنكم الآصار والأغلال التي كانت على الأولين؛ من قطع ما أصابه البول من بدن؛ أو أثر؛ فلا تتهاونوا بترك التحرز منه جملة؛ فإن من أهمل ذلك؛ عذب في أول منازل الآخرة؛ وهذه المنزلة إن كانت سهلة؛ فما بعدها أسهل منه؛ أو صعبة؛ فما بعدها أصعب؛ وفيه أن عدم التنزه من البول كبيرة؛ ووجهه النووي بأنه يستلزم بطلان الصلاة؛ وتركها كبيرة؛ وتعقبه العراقي بأن قضيته أنه ليس كبيرة لذاته؛ وظاهر الحديث يخالفه؛ فإنه رتب العذاب على ترك التنزه منه؛ ولو كان لما يترتب عليه من بطلان الصلاة؛ كان العذاب على تركها؛ أو على الصلاة بنجس؛ لا على ترك التنزه منه؛ قال: فإن كان النووي لا يقول بأن ترك التنزه منه بانفراده كبيرة؛ فلعله إنما صار كبيرة بالإصرار عليه؛ ثم ترك التنزه منه إما بترك ملابسته؛ وإما بغسله بتقدير حصول ملابسته؛ فيستدل به على حرمة التضمخ بالبول بلا حاجة؛ لمنافاته للتنزه عنه؛ وعليه الشافعية ؛ وإطلاق الحديث الآمر بالتنزه عنه؛ يتناول بوله وبول غيره؛ وفيه أيضا وجوب الاستنجاء ؛ وهو مذهب الشافعي ؛ وأحمد ؛ والمشهور عن أبي حنيفة ؛ ومالك ؛ أنه سنة؛ قال الحكيم : إنما كان عامة عذاب القبر من البول ؛ لأن البول من معدن إبليس من جوف الآدمي؛ فإنه مقره؛ ومقعده؛ فإذا لم يتنزه منه؛ دخل القبر بنجاسة العدو؛ فعذب فيه؛ وصرح الحكيم أيضا بأن عذاب القبر إنما هو للمؤمنين؛ لا للكافرين؛ أما هم؛ فعذابهم في القيامة؛ لأن المؤمن حسابه في القبر أهون عليه من كونه بين يدي الله؛ فيحاسبه الله في القبر على ألسنة الملائكة؛ كأنه يستحي من عبده المؤمن؛ فيعذب [ ص: 270 ] فيه؛ ليخرج يوم القيامة طاهرا؛ كما قال حذيفة : في القبر حساب؛ وفي الآخرة حساب؛ فمن حوسب في القبر؛ نجا؛ ومن حوسب في الآخرة؛ عذب ؛ إلى هنا كلامه؛ وقال ابن عبد البر : الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن؛ أو منافق من أهل القبلة؛ ممن حقن الإسلام دمه؛ وخالفهما عبد الحق ؛ وقال: بل تعم الكافر؛ قال ابن سيد الناس : وفي إضافة عذاب القبر إلى البول؛ خصوصية محضة؛ دون جميع المعاصي؛ مع العذاب؛ بسبب غيره؛ إن أراد الله في حق بعض عباده؛ انتهى.

(قط) ؛ من حديث قتادة ؛ (عن أنس ) ؛ ثم عقبه مخرجه الدارقطني بقوله: مرسل؛ انتهى؛ وقال الذهبي : سنده وسط.




الخدمات العلمية