الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3936 - "خلقت الملائكة من نور ؛ وخلق الجان من مارج من نار؛ وخلق آدم مما وصف لكم"؛ (حم م)؛ عن عائشة ؛ (ح) .

[ ص: 450 ]

التالي السابق


[ ص: 450 ] ( خلقت الملائكة من نور؛ وخلق الجان) ؛ أبو الجن؛ أو إبليس؛ (من مارج من نار ) ؛ أي: من نار مختلطة بهواء مشتعل؛ و"المرج": الاختلاط؛ فهو من عنصرين؛ هواء؛ ونار؛ كما أن آدم من عنصرين؛ تراب؛ وماء؛ عجن به؛ فحدث له اسم الطين؛ كما حدث للجن اسم المارج؛ (وخلق آدم مما وصف لكم) ؛ ببناء "وصف"؛ للمفعول؛ أي: بما وصفه الله لكم في مواضع من كتابه؛ ففي بعضها أنه خلقه من ماء؛ وفي بعضها من تراب؛ وفي بعضها من المركب منهما؛ وهو الطين ؛ وفي بعضها من تراب؛ وفي بعضها من صلصال؛ وهو طين ضربته الشمس والريح حتى صار كالفخار؛ قال الغزالي : قد اجتمع في الفخار والنار والطين؛ والطين طبعه السكون؛ والنار طبعها الحركة؛ فلا يتصور نار مشعلة تسكن؛ بل لا تزال تتحرك بطبعها؛ وقد كلف المخلوق من النار أن يطمئن من حركته ساجدا لما خلق من طين؛ فأبى؛ واستكبر أن يسجد لآدم ؛ فلا مطمع في سجوده لأولاده.

(تنبيه) :

قال ابن عربي : قال: "مما وصف لكم"؛ ولم يقل كما قال فيما قبله؛ طلبا للاختصار؛ فإنه أوتي جوامع الكلم؛ وهذا منها؛ إذ الملائكة لم يختلف أصل خلقتها؛ ولا الجان ؛ وأما الإنسان فاختلف خلقه على أربعة أنواع؛ فخلق آدم لا يشبه خلق حواء ؛ وخلق حواء لا يشبه خلق آدم ؛ وخلق عيسى لا يشبه خلق الكل؛ فأحال على ما وصل إلينا من تفصيل خلق الإنسان؛ ولما كان خلق الجان من نار؛ كان فيه طلب القهر والاستكبار؛ فإن النار أرفع الأركان مكانا؛ ولها سلطان على الإحالة؛ فلذلك قال: أنا خير منه ؛ وما علم أن سلطان الماء؛ الذي خلق منه آدم ؛ أقوى منه؛ فإنه يذهبه؛ والتراب أثبت منه؛ لبرده ويبسه؛ فلآدم القوة والثبوت؛ لغلبة ذينك الركنين عليه؛ وإن كان فيه الآخران؛ لكن ليس لهما ذلك السلطان؛ وأعطي آدم التواضع للطينة؛ فإن تكبر فلعارض بقلبه؛ لما فيه من النارية؛ كما يقبل اختلاف الصور في خياله؛ وأحواله؛ من الهوائية؛ وأعطي الجان التكبر؛ للنارية؛ فإن تواضع فلعارض؛ لما فيه من الترابية؛ كما يقبل الثبات على الإغواء؛ إن كان شيطانا؛ وعلى الطاعة إن لم يكن؛ ففيهم الطائع؛ والعاصي؛ ولهم التشكل في أي صورة شاؤوا؛ وفيهم التناسل؛ كما مر؛ وكان وجودهم بالقوس؛ وهو ناري؛ هكذا ذكر الوالد - حفظه الله (تعالى) -؛ فكان بين خلق الجان؛ وخلق آدم ؛ ستون ألف سنة؛ والتوالد في الجن باق إلى اليوم؛ كما فينا؛ فالملائكة أرواح منفوخة في أنوار؛ والجان أرواح منفوخة في رياح؛ والأناس أرواح منفوخة في أشباح؛ ويقال: لم يفصل عن الجني الأول أنثى؛ كما فصلتحواء ؛ بل خلق له فرج في نفسه؛ فنكح بعضه بعضا؛ فأتى بذكران وإناث؛ ثم نكح بعضها بعضا؛ فكان خلقه خنثى؛ ولما غلبت على الجن عنصر الهواء والنار؛ كان غذاؤهم ما يحمله له الهواء؛ مما في العظام من الدسم؛ وصفة اجتماع بعضهم ببعض في النكاح مثل ما تبصر الدخان الخارج من الأتون؛ ومن فرن الفخار؛ يدخل بعضه في بعض؛ فيلتذ كل منهما بذلك التداخل؛ ويكون ما يلقونه كلقاح النخلة؛ بمجرد الرائحة؛ كغذائهم.

(حم م) ؛ في آخر الصحيح؛ (عن عائشة ) ؛ ولم يخرجه البخاري .




الخدمات العلمية