الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3770 - "حياتي خير لكم؛ ومماتي خير لكم" ؛ ( الحارث )؛ عن أنس ؛ (ض) .

التالي السابق


(حياتي) ؛ أي: في الدنيا؛ والأنبياء أحياء في قبورهم؛ (خير لكم) ؛ أي: حياتي في هذا العالم موجبة لحفظكم من الفتن والبدع والاختلاف؛ والصحب - وإن اجتهدوا في إدراك الحق - لكن الأوفق الوفاق؛ وغير المعصوم في معرض الخطإ؛ (ومماتي) ؛ وفي رواية: "موتي"؛ (خير لكم) ؛ لأن لكل نبي في السماء مستقرا؛ إذا قبض؛ كما دلت عليه الأخبار؛ فالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - مستمر هناك؛ يسأل الله لأمته في كل يوم لكل صنف؛ فللمتهافتين التوبة؛ وللتائبين الثبات؛ وللمستقيمين الإخلاص؛ ولأهل الصدق الوفاء؛ وللصديقين وفور الحظ؛ فبين بقوله: "ومماتي خير لكم"؛ عدم انقطاع النفع بالموت؛ بل الموت في وقته أنفع؛ ولو من وجه؛ ومن فوائده فتح باب الاجتهاد؛ وترك الاتكال؛ والمشي على الاحتياط؛ وغير ذلك؛ فزعم البعض أنه لم يبين له كون موته خيرا؛ جمود؛ أو قصور.

(تنبيه) :

أخذ المقريزي من هذا الخبر ضعف حزم إمام الحرمين بأن ما خلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - باق على ملكه؛ كما كان في حياته؛ فإن الأنبياء أحياء؛ قال: وهذا الخبر يرد عليه؛ بل القرآن ناطق بموته؛ قال (تعالى): إنك ميت وإنهم ميتون ؛ وقال: "إني امرؤ مقبوض". 50 (تتمة) :

استشكل بعضهم تركيب هذا الحديث؛ فقال: أفعل التفضيل يوصل بـ "من"؛ عند تجرده؛ ووصله بها غير ممكن هنا؛ إذ يصير الكلام: "حياتي خير لكم من مماتي؛ ومماتي خير لكم من حياتي"؛ وأجاب المؤلف بأن الإشكال إنما هو من ظن أن "خير"؛ هنا أفعل تفضيل؛ ولا كذلك؛ فإن لفظة "خير"؛ لها استعمالان؛ أحدهما: أن يراد بها معنى التفضيل؛ [ ص: 401 ] لا الأفضلية؛ وضدها "شر"؛ الثاني: أن يراد بها معنى الأفضلية؛ وهي التي توصل بـ "من"؛ وهذه أصلها "أخير"؛ فحذفت همزتها تخفيفا؛ فـ "خير"؛ في هذا الحديث أريد بها التفضيل؛ لا الأفضلية؛ فلا توصل بـ "من"؛ وليست بمعنى "أفضل"؛ وإنما المقصود أن في كل من حياته؛ ومماته خيرا ؛ لا أن هذا خير من هذا؛ ولا هذا خير من هذا.

( الحارث ) ؛ ابن أبي أسامة ؛ في مسنده؛ (عن أنس ) ؛ قال الحافظ العراقي ؛ في المغني: إسناده ضعيف؛ أي: وذلك لأن فيه خراش بن عبد الله ؛ ساقط؛ عدم؛ وما أتى به غير أبي سعيد العدوي الكذاب ؛ وقال ابن حبان : لا يحل كتب حديثه؛ إلا للاعتبار؛ ثم ساق له أخبارا هذا منها؛ ورواه البزار باللفظ المزبور؛ من حديث ابن مسعود ؛ وقال الحافظ العراقي : ورجاله رجال الصحيح؛ إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد - وإن خرج له مسلم ؛ ووثقه ابن معين والنسائي - ضعفه بعضهم؛ انتهى؛ فأعجب للمصنف؛ كيف عدل العزو لرواية مجمع على ضعف سندها؛ وأهمل طريق البزار ؛ مع كون رجاله رجال الصحيح؛ ووقع له - أعني: المؤلف - في تخريج الشفاء أنه عزا الحديث للحارث من حديث بكر بن عبد الله المزني ؛ وللبزار ؛ وأطلق تصحيحه؛ وليس الأمر كما ذكر.




الخدمات العلمية