الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4096 - "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ؛ فيه خلق آدم ؛ وفيه أهبط؛ وفيه تيب عليه؛ وفيه قبض؛ وفيه تقوم الساعة؛ ما على وجه الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة؛ حتى تطلع الشمس؛ شفقا من الساعة؛ إلا ابن آدم ؛ وفيه ساعة لا يصادفها عبد مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه"؛ مالك ؛ (حم 3 حب ك)؛ عن أبي هريرة ؛ (صح) .

التالي السابق


(خير يوم طلعت فيه) ؛ الذي وقفت عليه في أصول صحيحة: "عليه"؛ (الشمس؛ يوم الجمعة ) ؛ يعني: من أيام الأسبوع؛ وأما أيام السنة فخيرها يوم عرفة ؛ (فيه خلق آدم ؛ وفيه أهبط) ؛ من الجنة للخلافة في الأرض؛ لا للطرد؛ بل لتكثير النسل؛ وبث عباد الله فيها؛ وإظهار العبادة التي خلقوا لأجلها؛ وما أقيمت السماوات والأرض إلا لأجلها؛ وذلك لا يثبت إلا بخروجه فيها؛ فكان أحرى بالفضل من استمراره فيها؛ فإخراجه منها يعد فضيلة لآدم ؛ خلافا لما وقع لعياض ؛ (وفيه تيب عليه) ؛ بالبناء للمفعول؛ والفاعل معلوم؛ (وفيه قبض) ؛ أي: توفي؛ وفيه ينقضي أجل الدنيا؛ (وتقوم الساعة) ؛ أي: يوم القيامة؛ وفيه يحاسب الله الخلق؛ ويدخل أهل الجنة الجنة؛ وأهل النار النار؛ قال ابن العربي : كان خروج آدم سببا لهذا النسل العظيم؛ الذي منه الأنبياء؛ ولم يخرج منها طردا؛ بل لقضاء أوطار؛ ويعود إليها؛ وقيام الساعة سبب تعجيل جزاء الأصناف الثلاثة: الأنبياء؛ والصديقين؛ والأولياء؛ وغيرهم؛ وإظهار كم أماتهم؛ وقال القاضي : فيه بيان لفضله؛ إذ لا شك أن خلق آدم فيه يوجب له شرفا ومزية ؛ وكذا قبضه فيه؛ فإنه سبب لوصوله إلى جناب القدس؛ والخلاص من البليات؛ وكذا النفخة؛ وهي نفخ الصور؛ فإنها مبدأ قيام الساعة؛ ومقدمات النشأة الثانية؛ وأسباب توصل أرباب الكمال إلى ما أعد لهم من النعيم المقيم؛ ومن ثم كان؛ (ما على) ؛ وجه؛ (الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة) ؛ بسين؛ وصاد؛ أي: مصغية منتظرة لقيامها فيه؛ وروي: "مسيخة"؛ بإبدال الصاد سينا؛ (حتى تطلع الشمس؛ شفقا) ؛ أي: خوفا وفزعا؛ (من) ؛ قيام؛ (الساعة) ؛ فإنه اليوم الذي يطوى فيه العالم ويخرب الدنيا؛ وتنبعث فيه الناس إلى منازلهم من الجنة؛ والنار؛ و"الساعة": اسم علم ليوم القيامة؛ سميت به لقربها؛ ووصفها بالقيام لأنها اليوم ساكنة؛ وإذا أراد الله إيجادها اتصفت بالحركة؛ وقوله: "حتى تطلع الشمس"؛ يدل على أنها إذا طلعت عرفت الدواب أنه ليس ذلك اليوم؛ قال الطيبي : وجه إصاخة كل دابة - وهي لا تعقل - أن الله يلهمها ذلك؛ ولا عجب عند قدرة الله؛ وحكمة الإخفاء عن الثقلين أنهم لو كوشفوا بذلك اختلت قاعدة الابتلاء والتكليف؛ وحق القول عليهم؛ ووجه آخر أنه (تعالى) يظهر يوم الجمعة من عظائم الأمور وجلائل الشؤون ما تكاد الأرض تميد بها؛ فتبقى كل دابة ذاهلة دهشة؛ كأنها مسيخة لمرعب؛ الذي يداخلها؛ إشفاقا منها لقيام الساعة؛ (إلا ابن آدم ؛ وفيه ساعة) ؛ أي: خفية؛ (لا يصادفها عبد مؤمن؛ وهو في الصلاة) ؛ في رواية: "وهو يصلي"؛ أي: يدعو؛ (يسأل الله شيئا؛ إلا أعطاه إياه) ؛ زاد أحمد : "ما لم يكن إثما؛ أو قطيعة رحم" ؛ قال الشافعية : ويسن الإكثار من الدعاء يومها؛ رجاء مصادفتها؛ وفي تعيينها بضعة وأربعون قولا؛ كما في ليلة القدر؛ قال البيهقي : فكان النبي يعلمها بعينها؛ ثم أنسيها؛ كما أنسي ليلة القدر؛ قال ابن حجر : وهذا رواه ابن خزيمة ؛ عن أبي سعيد ؛ صريحا.

( مالك ) ؛ في الموطإ.

(تنبيه) :

استدل بالحديث على مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة على غيره من الأيام؛ ومن ثم كان وقوف المصطفى في حجة الوداع؛ والله إنما يختار لرسوله الأفضل؛ ولأن الأعمال تشرف بشرف الأزمنة؛ كالأمكنة؛ ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ؛ قال [ ص: 495 ] ابن حجر : وأما ما ذكره رزين في جامعه مرفوعا: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة ؛ وافق يوم جمعة؛ وهو أفضل من سبعين حجة في غيرها" ؛ فحديث لا أعرف حاله؛ لأنه لم يذكر صحابيه؛ ولا من خرجه؛ بل أدرجه في حديث الموطإ؛ وليس في الموطآت؛ فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد؛ أو المبالغة؛ وعلى كل فتثبت المزية بذلك.

(حم 3) ؛ في باب الجمعة؛ (حب ك) ؛ كلهم؛ (عن أبي هريرة ) ؛ قال الترمذي : صحيح؛ وقال الحاكم : على شرطهما؛ وأقره الذهبي .




الخدمات العلمية