الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3495 - "ثلاثة تحت العرش يوم القيامة: القرآن؛ له ظهر وبطن؛ يحاج العباد ؛ والرحم؛ تنادي: صل من وصلني؛ واقطع من قطعني؛ والأمانة"؛ الحكيم ؛ ومحمد بن نصر ؛ عن عبد الرحمن بن عوف ؛ (ح) .

التالي السابق


(ثلاثة تحت العرش يوم القيامة: القرآن؛ له ظهر وبطن؛ يحاج العباد) ؛ وقال ابن الأثير وغيره: ظهره لفظه؛ وبطنه معناه؛ أو ظهره ما ظهر تأويله؛ وبطنه ما بطن تفسيره؛ أو ظهره تلاوته؛ وبطنه تفهمه؛ أو ظهره ما استوى المكلفون فيه من الإيمان والعمل بمقتضاه؛ وبطنه ما وقع التفاوت في فهمه بين العباد؛ على حسب مراتبهم في الأفهام والعقول؛ وتباين منازلهم في المعارف والعلوم؛ وفيه تنبيه على أن كلا منهم إنما يطلب بقدر ما انتهى إليه من علم الكتاب وفهمه؛ وقال الحكيم : ظهره يحاج الأمة؛ وبطنه يحاج الخاصة؛ فإن أهل الملة صنفان؛ قال التوربشتي : وقوله: "له ظهر وبطن"؛ جملة مفصولة معترضة بين المعطوف؛ والمعطوف عليه؛ تنبه السامع على جلالة شأن القرآن وامتيازه عما سواه ؛ واعترضه الطيبي ؛ ثم اختار أنها جملة اسمية واقعة حالا من ضمير القرآن بلا واو؛ أي: "القرآن يحاج العباد؛ مستقصيا فيه"؛ ( والرحم ؛ تنادي: صل من وصلني؛ واقطع من قطعني) ؛ لأن الله (تعالى) أعطاها ذلك في الدنيا؛ وأمر بالتراحم والتعاطف بها؛ فمن امتثل أمره فاز بالكرامة؛ ومن أبى نودي عليه بالخسران؛ واستحقاق النيران؛ ( والأمانة ) ؛ تنادي: ألا من حفظني حفظه الله؛ ومن ضيعني ضيعه الله؛ قال القاضي : "تحت العرش"؛ عبارة عن اختصاص هذه الثلاثة من الله بمكان؛ وقرب منه؛ واعتبار عنده؛ بحيث لا يضيع أجر من حافظ عليها؛ ولا يهمل مجازاة من ضيعها وأعرض عنها؛ كما هو حال المقربين عند السلطان؛ الواقفين تحت عرشه؛ فإن التوسل بهم وشكرهم وشكايتهم لها تأثير عظيم لديه؛ وخص الثلاثة لأن كل ما يحاوله المرء إما أمر دائر بينه [ ص: 317 ] وبين ربه خاصة؛ أو بينه وبين الخلق عامة؛ أو بينه وبين أقاربه وأهل بيته؛ والقرآن وصلة بين العبد وربه؛ فمن راعى أحكامه؛ واتبع ظواهره وبواطنه؛ أدى حق الربوبية؛ وأتى بوظيفة العبودية؛ والأمانة تعم عموم الناس؛ فإن دماءهم وأموالهم وأعراضهم أمانات بينهم؛ فمن قام بحقها؛ أقام العدل؛ وجانب الظلم؛ ومن وصل الرحم وراقب الأقارب ودفع عنهم المخاوف وأحسن إليهم؛ أدى حقه؛ وخرج من عهدته؛ ولما كان القرآن أعظم قدرا؛ وأرفع منارا؛ والقيام به يشمل الأمرين الآخرين؛ قدم ذكره؛ وأخبر عنه بأنه يحاج العباد؛ أي: يخاصمهم فيما أعرضوا عن أحكامه؛ ولم يلتفتوا لمواعظه وأمثاله؛ سواء ما ظهر معناه فأغنى عن التأويل؛ أو خفي واحتاج إليه؛ وأخر الأمانة لأنها أخصها؛ وأفردها بالذكر؛ وإن اشتملت محافظته على الأولين على محافظتها؛ لأنها أحق حقوق الخلق؛ أن تحفظ؛ ولأنه أراد أن يبين أن صلة الرحم وقطيعتها بهذه المثابة العظيمة من الوعد والوعيد؛ أهـ؛ وقال الأشرف : الضمير في "تنادي"؛ عائد إلى الرحم؛ ويمكن عوده إلى كل من الأمانة؛ والرحم.

( الحكيم ) ؛ الترمذي ؛ في نوادره؛ ( ومحمد بن نصر ) ؛ في فوائده؛ (عن عبد الرحمن بن عوف ) ؛ ورواه عنه أيضا البغوي ؛ في شرح السنة؛ قال المناوي : وفيه كثير بن عبد الله اليشكري ؛ متكلم فيه.




الخدمات العلمية