الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2645 - "إني لأعرف حجرا بمكة ؛ كان يسلم علي قبل أن أبعث" ؛ (حم م ت)؛ عن جابر بن سمرة ؛ (صح) .

التالي السابق


(إني لأعرف حجرا بمكة ؛ كان يسلم علي) ؛ أي: بالنبوة؛ قيل: هو الحجر الأسود ؛ وقيل: البارز بزقاق المرفق؛ وعليه أهل مكة ؛ سلفا وخلفا؛ وكان ذلك؛ (قبل أن أبعث) ؛ أي: أرسل؛ وقيد به لأن الحجارة كلها كانت تسلم عليه بعد البعث ؛ كما روي عن علي - كرم الله وجهه - فإن قيل: ما حكمة إلقاء هذا الحديث بصورة التأكيد بـ "إن"؛ والجملة الاسمية؛ وليس المقام مقام إنكار؟ قلنا: قد يكون علم منهم الغفلة عن مثل هذا؛ في ذلك الوقت؛ فأراد التنبيه عليه؛ بتنزيلهم منزلة الغافلين عنه؛ كما في قوله - سبحانه -: ثم إنكم بعد ذلك لميتون ؛ ولم ينكر أحد الموت؛ لكن لما غلبت الغفلة عنه؛ حسن؛ أو بالنظر إلى غيرهم؛ لأنه أمر مستغرب؛ فهو في مظنة الإنكار؛ فإن قيل: محصول الخبر إفادة العلم بعرفانه حجرا كان يسلم؛ وهو وهم؛ كانوا يعلمون سلام الحجر وغيره عليه؛ فلم خصه؟ قلنا: يحتمل أنه حجر ذو شأن عظيم؛ ولهذا نكره تنكير تعظيم؛ ومن ثم قيل: هو الحجر الأسود ؛ كما تقرر؛ وبهذا المعنى يلتئم مع خبر عائشة : "لما استقبلني جبريل بالرسالة؛ جعلت لا أمر بحجر ولا مدر ولا شجر إلا سلم علي" ؛ قال ابن سيد الناس : وهذا التسليم يحتمل كونه حقيقة؛ بأن أنطقه الله كما أنطق الجذع؛ وكونه مضافا إلى ملائكة عنده من قبيل: واسأل القرية ؛ قال غيره: والصحيح الأول؛ معجزة له؛ كإحياء الموتى؛ معجزة لعيسى - عليه الصلاة والسلام ؛ أهـ؛ والأول هو ما عليه قاطبة أهل الكشف؛ ومعنى سماعه سلامه أنه فتح سمعه لإدراك سلامه؛ فقد قال ابن عربي : فتح سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن حضر من أصحابه لإدراك تسبيح الحصى في كفه ؛ قال: وإنما قل فتح سمعه؛ لأن الحصى ما زال منذ خلق مسبحا بحمد موجده؛ فكان خرق العادة في الإدراك السمعي؛ لا فيه؛ وفي الروض الأنف: الأظهر أن هذا التسليم حقيقة؛ وأنه (تعالى) أنطقه إنطاقا؛ كما خلق الحنين في الجذع؛ لكن ليس له شرط الكلام؛ الذي هو صوت وحرف الحياة؛ والعلم؛ والإرادة؛ لأن الصوت عرض عند الأكثر؛ ولم يخالف فيه إلا النظام؛ وجعله الأشعري اصطكاك الجواهر بعضها ببعض؛ ولو قدرنا الكلام صفة قائمة بنفس الحجر؛ والصوت عبارة عنه؛ لم يكن بد من شرط الحياة والعلم؛ مع الكلام؛ والله أعلم أي ذلك كان؛ أكان مقرونا بحياة وعلم؛ فيكون الحجر به مؤمنا؛ أم كان صوتا مجردا؛ وأيا ما كان؛ فهو من أعلام النبوة؛ وقال القرطبي : الصحيح من مذهب أئمتنا أن كلام الجماد راجع إلى أنه (تعالى) يخلق فيه أصواتا مقطعة من غير مخارج يفهم منها ما يفهم من الأصوات الخارجة من مخارج الفم؛ وذلك ممكن في نفسه؛ والقدرة القديمة لا قصور فيها.

(حم م ت؛ عن جابر بن سمرة ) ؛ قال في المنار: سكت عليه؛ ولم يبين أنه من رواية سماك بن حرب ؛ انتهى؛ ولفظ رواية مسلم : "إني لأعرف حجرا كان يسلم علي قبل أن أبعث؛ إني لأعرفه الآن"؛ فقوله: "إني..." ؛ إلخ؛ لعله سقط من قلم المؤلف.




الخدمات العلمية