الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2936 - "أيام التشريق أيام أكل؛ وشرب؛ وذكر الله" ؛ (حم م)؛ عن نبيشة .

التالي السابق


(أيام التشريق) ؛ وهي الثلاثة؛ بعد يوم العيد؛ سميت به لأن لحم الأضاحي يشرق فيها بمنى ؛ أي: يقدد؛ ويبرز للشمس؛ وقيل: يوم العيد من أيام التشريق؛ فتكون أربعة؛ وعلى الأول لم يعد يوم النحر منها؛ لأن له اسما خاصا؛ وإلا فالمعنى المقدر يشمله؛ وهو المذكور في قوله: (أيام أكل وشرب) ؛ بضم الشين؛ وفتحها؛ هكذا ذكره بعض الشراح؛ لكن حكى ابن السمعاني عن أبيه عن أبي الغنائم أنه إنما هو بالفتح فحسب؛ واستشهد بقوله - سبحانه وتعالى -: "فشاربون شرب الهيم"؛ [بفتح الشين في "شرب"؛ على إحدى القراءات]؛ وأقره التاج السبكي ؛ وقال أبو البقاء : الأفصح الأقيس فتح الشين؛ وهو مصدر؛ كـ "الأكل"؛ وأما ضمها؛ وكسرها؛ ففيه لغتان في المصدر أيضا؛ والمحققون على أن الضم والكسر اسمان للمصدر؛ لا مصدر؛ (وذكر الله) ؛ أي: أيام يأكل الناس فيها؛ ويشربون؛ ويذكرون؛ فإضافة الأيام إلى الأكل والشرب والذكر؛ إضافة تخصيص؛ قال الأشرفي : وعقب الأكل والشرب بذكر الله؛ لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه؛ وينسى في هذه الأيام حقوق الله؛ وقال الطيبي : هذا من باب التتميم؛ فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام؛ أوهم أنها لا تصلح إلا للدعة؛ والأكل والشرب؛ لأن الناس في هذه الأيام ينبسطون؛ فتدارك بقوله: "وذكر الله"؛ لئلا يستغرقوا أوقاتهم باللذات النفسانية؛ فينسوا نصيبهم من الروحانية؛ ونظيره في التتميم للصيانة قول الشاعر:


فسقى ديارك غير مفسدها صوب السحاب وديمة تهمي



وقال جمع: إنما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأن القوم زوار الله؛ وهم في ضيافته في هذه الأيام؛ وليس للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه؛ كذا علله أمير المؤمنين علي - كرم الله وجهه -؛ فيما رواه عنه البيهقي بسند مقبول؛ واقتفاه في ذلك أكابر الأئمة؛ فقالوا: سر ذلك أنه (تعالى) دعا عباده إلى زيارة بيته؛ فأجابوه؛ وقد أهدى كل على قدر وسعه؛ ومبلغ طاقته؛ وذبحوا هديهم؛ فقبله منهم؛ واتخذ لهم منه ضيافة؛ ونصب لهم مائدة جمعهم عليها؛ وأطعمهم مما تقربوا به إليه؛ والضيافة ثلاثة أيام؛ فأوسع زواره طعاما وشرابا ثلاثة أيام؛ وسنة الملوك أنهم إذا أضافوا؛ أطعموا من على الباب؛ كما يطعمون من في الدار؛ والكعبة هي الدار؛ وسائر الأقطار باب الدار؛ فعم الله الكل بضيافته؛ فقال: فكلوا منها وأطعموا ؛ ومذهب الشافعي أن صوم التشريق حرام؛ ولا ينعقد؛ وحرمه أبو حنيفة ؛ وعقده؛ وجوزه مالك وأحمد للمتمتع العادم للهدي.

(حم م) ؛ في الصوم؛ (عن نبيشة ) ؛ بضم النون؛ وفتح الموحدة؛ وياء تحتية؛ وشين معجمة؛ وهو ابن عبد الله الهذلي ؛ قال ابن حجر : صحابي؛ قليل الحديث؛ ويقال له: " نبيشة الخير "؛ ولم يخرجه البخاري ؛ ولا خرج عن نبيشة شيئا؛ قال المصنف: وهذا متواتر.




الخدمات العلمية