الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3595 - "جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا" ؛ (حم)؛ والضياء ؛ عن أنس .

التالي السابق


(جعلت لي كل أرض طيبة) ؛ بالتشديد؛ من "الطيب": الطاهر؛ أي: نظيفة؛ غير خبيثة؛ (مسجدا وطهورا) ؛ قال الزين العراقي : أراد بالطيبة الطاهرة؛ وبالطهور المطهر لغيره؛ فلو كان معنى "طهورا": طاهرا؛ لزم تحصيل الحاصل؛ وفيه أن الأصل في الأشياء الطهارة؛ وإن غلب ظن النجاسة ؛ وأن الصلاة بالمسجد لا تجب؛ وإن أمكن بسهولة؛ وكان جارا بالمسجد؛ وخبر: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" ؛ لم يثبت؛ وبفرضه المراد: لا صلاة كاملة؛ وهذا الخبر وما بعده قد احتجت به الحنفية على جواز التيمم بسائر ما على وجه الأرض؛ ولو غير تراب ؛ وأخذ منه بعض المجتهدين أنه يصح التيمم بنية الطهارة المجردة؛ لأنه لو لم يكن طهارة لم تجز الصلاة به؛ وخالف الشافعي ؛ ورد ذلك بأنه مجاز؛ لتبادر غيره؛ والأحكام تناط باسم الحقيقة دون المجاز؛ وبأنه لا يلزم من نفي الطهارة الحقيقية نفي المجازية.

(تنبيه) :

قال القاضي : قد جاء "فعول"؛ في كلام العرب؛ لمعان مختلفة؛ منها: المصدر؛ وهو قليل؛ كـ "القبول"؛ و"الولوغ"؛ ومنها: الفاعل؛ كـ "الصفوح"؛ و"الشكور"؛ وفيه مبالغة ليست في الفاعل؛ ومنها: المفعول؛ كـ "الركوب"؛ و"الحلوب"؛ ومنها: ما يفعل به كـ "الوضوء"؛ و"الغسول"؛ و"الفطور"؛ ومنها: الاسمية؛ كـ "الذنوب"؛ وقد حمل الشافعي وأنزلنا من السماء ماء طهورا ؛ على المعنى الرابع؛ لقوله: ليطهركم به ؛ ولقوله في هذا الخبر: "جعلت..."؛ إلى آخره؛ وهو ههنا بمعنى المصدر.

(تتمة) :

قال في الاختيار: إنما جعلت الأرض له مسجدا بوفور الحظ البارز على جميع الرسل منه (تعالى)؛ ولأمته من حظه ما برزوا به على جميع الأمم؛ حتى أقبل الله عليهم؛ فإقباله عليهم طهر بقاع الأرض حيثما انتصبوا؛ فإذا كبروا رفعت الحجب؛ ودخلوا في ستره؛ وطهرت البقاع لهم حيثما وقفوا؛ وإنما جعلت طهورا فإنهم إذا لم يجدوا الماء الذي جعله الله طهورا للخلق تطهروا بالصعيد؛ فجعل ما تحت أقدامهم طهورا لهم؛ عند فقد ما فوق رؤوسهم من الماء المذكور في قوله: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ؛ وهو ماء الحياة الراكد تحت العرش؛ خلقه الله حياة لكل شيء؛ فمنه حياة القلوب؛ ومنه حياة الأرواح.

(حم؛ والضياء ) ؛ المقدسي ؛ (عن أنس ) ؛ ابن مالك ؛ ورواه عنه أيضا ابن المنذر ؛ وابن الجارود ؛ قال ابن حجر : وإسناده صحيح.




الخدمات العلمية