الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( حمر ) الحاء والميم والراء أصل واحد عندي ، وهو من الذي يعرف بالحمرة . وقد يجوز أن يجعل أصلين : أحدهما هذا ، والآخر جنس من الدواب .

                                                          فالأول الحمرة في الألوان ، وهي معروفة . والعرب تقول : " الحسن أحمر " يقال ذلك لأن النفوس كلها لا تكاد تكره الحمرة . وتقول رجل أحمر ، وأحامر فإن أردت اللون قلت أحمر . وحجة الأحامرة قول الأعشى :


                                                          إن الأحامرة الثلاثة أهلكت مالي وكنت بهن قدما مولعا

                                                          ذهب بالأحامرة مذهب الأسماء ، ولم يذهب بها مذهب الصفات . ولو ذهب بها مذهب الصفات لقال حمر . والحمراء : العجم ، سموا بذلك لأن الشقرة أغلب الألوان عليهم . ومن ذلك قولهم لعلي رضي الله عنه : " غلبتنا عليك هذه الحمراء " . ويقال موت أحمر ، وذلك إذا وصف بالشدة . وقال علي : " كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه " .

                                                          ومن الباب قولهم : وطأة حمراء ; وذلك إذا كانت جديدة ; ووطأة دهماء ، إذا كانت قديمة دارسة . ويقال سنة حمراء شديدة ، ولذلك يقال لشدة القيظ حمارة . وإنما قيل هذا لأن أعجب الألوان إليهم الحمرة . إذا كان كذا وبالغوا في وصف شيء ذكروه بالحمرة ، أو بلفظة تشبه الحمرة .

                                                          فأما قولهم للذي لا سلاح معه أحمر ، فممكن [ أن يكون ] ذلك تشبيها له [ ص: 102 ] بالعجم ، وليست فيهم شجاعة مذكورة كشجاعة العرب . وقال :


                                                          وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر

                                                          الضياطرة : جمع ضيطار ، وهو الجبان العظيم الخلق ، الذي لا يحسن حمل السلاح . قال :


                                                          تعرض ضيطارو فعالة دوننا     وما خير ضيطار يقلب مسطحا

                                                          وقولهم غيث حمر ، إذا كان شديدا يقشر الأرض . وهو من هذا الذي ذكرناه من باب المبالغة .

                                                          وأما الأصل الثاني فالحمار معروف ، يقال حمار وحمير وحمر وحمرات ، كما يقال صعيد وصعد وصعدات . قال :


                                                          إذا غرد المكاء في غير روضة     فويل لأهل الشاء والحمرات

                                                          يقول : إذا أجدب الزمان ولم تكن روضة فغرد في غير روضة ، فويل لأهل الشاء والحمرات .

                                                          ومما يحمل على هذا الباب قولهم لدويبة : حمار قبان . قال :


                                                          يا عجبا لقد رأيت عجبا     حمار قبان يسوق أرنبا

                                                          ومنه الحمار ، وهو شيء يجعل حول الحوض لئلا يسيل ماؤه ، والجمع حمائر . قال الشاعر :

                                                          [ ص: 103 ]

                                                          ومبلد بين موماة بمهلكة     جاوزته بعلاة الخلق عليان
                                                          كأنما الشحط في أعلى حمائره     سبائب الريط من قز وكتان

                                                          وأما قولهم للفرس الهجين محمر فهو من الباب . [ ومن الباب ] الحماران ، وهما حجران يجفف عليهما الأقط ، يسميان مع الذي فوقهما العلاة . قال :


                                                          لا تنفع الشاوي فيهما شاته     ولا حماراه ولا علاته

                                                          والحمارة : حجارة تنصب حول البيت ، والجمع حمائر . قال :


                                                          بيت حتوف أردحت حمائره

                                                          وأما قولهم : " أخلى من جوف حمار " فقد ذكر حديثه في كتاب حرف العين .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية