الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( خلف ) الخاء واللام والفاء أصول ثلاثة : أحدها أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه ، والثاني خلاف قدام ، والثالث التغير .

                                                          فالأول الخلف . والخلف : ما جاء بعد . ويقولون : هو خلف صدق من أبيه . وخلف سوء من أبيه . فإذا لم يذكروا صدقا ولا سوءا قالوا للجيد خلف وللردي خلف . قال الله تعالى : فخلف من بعدهم خلف . والخليفى : الخلافة ، وإنما سميت خلافة لأن الثاني يجيء بعد الأول قائما مقامه . وتقول : قعدت خلاف فلان ، أي بعده . والخوالف في قوله تعالى : رضوا بأن يكونوا مع الخوالف [ ص: 211 ] هن النساء ، لأن الرجال يغيبون في حروبهم ومغاوراتهم وتجاراتهم وهن يخلفنهم في البيوت والمنازل . ولذلك يقال : الحي خلوف ، إذا كان الرجال غيبا والنساء مقيمات . ويقولون في الدعاء : " خلف الله عليك " أي كان الله تعالى الخليفة عليك لمن فقدت من أب أو حميم . و " أخلف الله لك " أي عوضك من الشيء الذاهب ما يكون يقوم بعده ويخلفه . والخلفة : نبت ينبت بعد الهشيم . وخلفة الشجر : ثمر يخرج بعد الثمر . قال :


                                                          ولها بالماطرون إذا أكل النمل الذي جمعا     خلفة حتى إذا ارتبعت
                                                          سكنت من جلق بيعا

                                                          وقال زهير فيما يصحح جميع ما ذكرناه :


                                                          بها العين والآرام يمشين خلفة     وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم

                                                          يقول : إذا مرت هذه خلفتها هذه .

                                                          ومن الباب الخلف ، وهو الاستقاء ، لأن المستقيين يتخالفان ، هذا بعد ذا ، وذاك بعد هذا . قال في الخلف :

                                                          [ ص: 212 ]

                                                          لزغب كأولاد القطا راث خلفها     على عاجزات النهض حمر حواصله

                                                          يقال : أخلف ، إذا استقى .

                                                          والأصل الآخر خلف ، وهو غير قدام . يقال : هذا خلفي ، وهذا قدامي . وهذا مشهور . وقال لبيد :


                                                          فغدت كلا الفرجين تحسب أنه     مولى المخافة خلفها وأمامها

                                                          ومن الباب الخلف ، الواحد من أخلاف الضرع . وسمي بذلك لأنه يكون خلف ما بعده .

                                                          وأما الثالث فقولهم خلف فوه ، إذا تغير ، وأخلف . وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " . ومنه قول ابن أحمر :


                                                          بان الشباب وأخلف العمر     وتنكر الإخوان والدهر

                                                          ومنه الخلاف في الوعد . وخلف الرجل عن خلق أبيه : تغير . ويقال الخليف : الثوب يبلى وسطه فيخرج البالي منه ثم يلفق ، فيقال خلفت الثوب أخلفه . وهذا قياس في هذا وفي الباب الأول .

                                                          ويقال وعدني فأخلفته ، أي وجدته قد أخلفني . قال الأعشى :

                                                          [ ص: 213 ]

                                                          أثوى وقصر ليله ليزودا     فمضى وأخلف من قتيلة موعدا

                                                          فأما قوله :


                                                          دلواي خلفان وساقياهما

                                                          فمن أن هذي تخلف هذي . وأما قولهم : اختلف الناس في كذا ، والناس خلفة أي مختلفون ، فمن الباب الأول ; لأن كل واحد منهم ينحي قول صاحبه ، ويقيم نفسه مقام الذي نحاه . وأما قولهم للناقة الحامل خلفة فيجوز أن يكون شاذا عن الأصل ، ويجوز أن يلطف له فيقال إنها تأتي بولد ، والولد خلف . وهو بعيد . وجمع الخلفة المخاض ، وهن الحوامل .

                                                          ومن الشاذ عن الأصول الثلاثة : الخليف ، وهو الطريق بين الجبلين . فأما الخالفة من عمد البيت ، فلعله أن يكون في مؤخر البيت ، فهو من باب الخلف والقدام . ولذلك يقولون : فلان خالفة أهل بيته ، إذا كان غير مقدم فيهم .

                                                          ومن باب التغير والفساد البعير الأخلف ، وهو الذي يمشي في شق ، من داء يعتريه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية