الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( رم ) الراء والميم أربعة أصول ، أصلان متضادان : أحدهما [ لم ] الشيء وإصلاحه ، والآخر بلاؤه . وأصلان متضادان : أحدهما السكوت ، والآخر خلافه .

                                                          فأما الأول من الأصلين الأولين ، فالرم : إصلاح الشيء . تقول : رممته أرمه . ومن الباب : أرم البعير وغيره ، إذا سمن ، يرم إرماما . وهو قوله :


                                                          هجاهن لما أن أرمت عظامه ولو عاش في الأعراب مات هزالا

                                                          [ ص: 379 ] وكان أبو زيد يقول : المرم : الناقة التي بها شيء من نقي ، وهو الرم . ومن الباب الرم ، وهو الثرى; وذلك أن بعضه ينضم إلى بعض ، يقولون : " له الطم والرم " . فالطم البحر ، والرم : الثرى .

                                                          والأصل الآخر من الأصلين الأولين قولهم : رم الشيء ، إذا بلي . والرميم : العظام البالية . قال الله تعالى : قال من يحيي العظام وهي رميم . وكذا الرمة . ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الاستنجاء بالروث والرمة .

                                                          والرمة : الحبل البالي . قال ذو الرمة :


                                                          أشعث باقي رمة التقليد

                                                          ومن ذلك قولهم : ادفعه إليه برمته . ويقال أصله أن رجلا باع آخر بعيرا بحبل في عنقه ، فقيل له : ادفعه إليه برمته . وكثر ذلك في الكلام فقيل لكل من دفع إلى آخر شيئا بكماله : دفعه إليه برمته ، أي كله . قالوا : وهذا المعنى أراد الأعشى بقوله للخمار :


                                                          فقلت له هذه هاتها     بأدماء في حبل مقتادها

                                                          يقول : بعني هذه الخمر بناقة برمتها . ومن الباب قولهم : الشاة ترم الحشيش من الأرض بمرمتها . وفي الحديث ذكر البقر " أنها ترم من كل شجر " .

                                                          وأما الأصلان الآخران فالأول منهما من الإرمام ، وهو السكوت ، يقال : أرم إرماما . والآخر قولهم : ما ترمرم ، أي ما حرك فاه بالكلام . وهو قول أوس :

                                                          [ ص: 380 ]

                                                          ومستعجب مما يرى من أناتنا     ولو زبنته الحرب لم يترمرم

                                                          فأما قولهم : " ما عن ذلك الأمر حم ولا رم " فإن معناه : ليس يحول دونه شيء وليس الرم أصلا في هذا ، لأنه كالإتباع . ويقولون - إن كان صحيحا - نعجة رماء ، أي بيضاء; وهو شاذ عن الأصول التي ذكرناها .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية