الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( دوم ) الدال والواو والميم أصل واحد يدل على السكون واللزوم . يقال دام الشيء يدوم ، إذا سكن . والماء الدائم : الساكن . ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبال في الماء الدائم ، ثم يتوضأ منه . والدليل على صحة هذا التأويل أنه روي بلفظة أخرى ، وهو أنه نهى أن يبال في الماء القائم . ويقال أدمت القدر إدامة ، إذا سكنت غليانها بالماء . قال الجعدي :


                                                          تفور علينا قدرهم فنديمها ونفثؤها عنا إذا حميها غلا

                                                          ومن المحمول على هذا وقياسه قياسه ، تدويم الطائر في الهواء; وذلك إذا حلق وكانت له عندها كالوقفة . ومن ذلك قولهم : دومت الشمس في كبد السماء ، وذلك إذا بلغت ذلك الموضع . ويقول أهل العلم بها : إن لها ثم كالوقفة ، ثم تدلك . قال ذو الرمة :


                                                          والشمس حيرى لها في الجو تدويم

                                                          أي كأنها لا تمضي . وأما قوله يصف الكلاب :


                                                          حتى إذا دومت في الأرض راجعه     كبر ولو شاء نجى نفسه الهرب

                                                          فيقال إنه أخطأ ، وإنما أراد دوت ، فقال دومت ، وقد ذكر هذا في بابه . ويقال : [ ص: 316 ] دومت الزعفران : دفته; وهو القياس لأنه يسكن فيما يداف فيه . واستدمت الأمر ، إذا رفقت به . وكذا يقولون . والمعنى أنه إذا رفق به ولم يعنف ولم يعجل دام له . قال :


                                                          فلا تعجل بأمرك واستدمه     فما صلى عصاك كمستديم

                                                          وأما قوله :


                                                          وقد يدوم ريق الطامع الأمل

                                                          فيقولون : يدوم يبل ، وليس هذا بشيء ، إنما يدوم يبقي; وذلك أن اليائس يجف ريقه . والديمة : مطر يدوم يوما وليلة أو أكثر .

                                                          ومن الباب أن عائشة [ رضي الله عنها ] سئلت عن عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت : " كان عمله ديمة " ، أي دائما . والمعنى أنه كان يدوم عليه ، سواء قلل ، أو كثر ، ولكنه كان لا يخل . تعني بذلك في عبادته صلى الله عليه وسلم . فأما قولهم دومته الخمر ، فهو من ذاك; لأنها تخثره حتى تسكن حركاته . والدأماء : البحر ، ولعله أن يكون من الباب; لأنه ماء مقيم لا ينزح ولا يبرح . قال :


                                                          والليل كالدأماء مستشعر     من دونه لونا كلون السدوس

                                                          [ ص: 317 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية